أما استخدام العنف فلم يكن الذي شرعه في جماعة الاخوان هو سيد قطب في الستينيات من القرن الماضي، إنما الذي شرعه قبله هو حسن البنا مؤسس هذه الجماعة بنفسه قبل سيد قطب في الأربعينياتت بنحو عقدين من الزمان
أكبر أكذوبة يحاول ترويجها بعض المنشقين من الاخوان ومن يسمون أنفسهم خبراء في الجماعات الإسلامية هي ان جماعة الاخوان انقلبت علي مؤسسها حسن البنا بانتهاج التطرف والانخراط في الجماعة، وكأن الجماعة في عهد البنا كانت تنبذ التطرف وتلتزم بالسلمية ولا تمارس عنفا!
ان التطرف لم يبدأ في جماعة الاخوان مع سيد قطب، وما قبل ذلك (نحو أربعة عقود) كان مجرد دعوة سلمية إلي الدين فقط.. فقد ولدت هذه الجماعة منذ اليوم الأول لها كدعوة للتكفير حينما اعتبر مؤسسها حسن البنا ان المهمة الأولي لها هو اعادة المسلمين إلي حظيرة الإسلام.. أي أنه تعامل مع المسلمين وكأنهم خرجوا عن الإسلام وكلف نفسه وجماعته باعادتهم له، وتعامل بالتالي مع أعضاء جماعته وكأنهم هم المسلمون الوحيدون علي أرض مصر.. وهذا هو جوهر التكفير الذي قامت عليه كل الجماعات الارهابية فيما بعد.
وحتي هذا الهدف لم يكن هو الهدف الأساسي لمؤسس جماعة الاخوان حسن البنا.. انما هو شخصيا احتاج لنحو عشر سنوات اشتد خلالها عود جماعته ليفصح عن الهدف الأساسي والحقيقي للجماعة، حينما اعترف وجاهر بأن جماعته ليست دعوية فقط.. هي جماعة سياسية أيضا هدفها الوصول إلي الحكم.. وبعد أن كان يصف جماعته بأنها دعوة (القرآن الحق الشامل) خرج ليقول (ان فصل الدين عن السياسة دعوة نحاربها بكل سلاح.. لاحظوا كل سلاح هنا).. وأستطيع أن أجهر بصراحة ان المسلم لا يتم إسلامه(هكذا) إلا إذا كان سياسيا بعيد النظر في شئون أمته.. فالإسلام حكم وتنفيذ كما هو تشريع وتعليم).. ولذلك لم يكن غريبا أن يتوجه البنا إلي أتباعه منبها بأن الجماعة سوف تشتغل عن دعوة الكلام وحده إلي دعوة الكلام المصحوبة بالنضال والأعمال.. ومن بين هذه الأعمال مخاصمة كل السياسيين سواء في الحكم أو خارجه خصومة شديدة لديدة ان لم يستجيبوا لكم!.. وهذا معناه بوضوح ان البنا أعلن في الثلاثينيات من القرن الماضي وبنفسه بدء مرحلة التمكين، وهي مرحلة الوصول إلي السلطة.
أما استخدام العنف فلم يكن الذي شرعه في جماعة الاخوان هو سيد قطب في الستينيات من القرن الماضي، إنما الذي شرعه قبله هو حسن البنا مؤسس هذه الجماعة بنفسه قبل سيد قطب في الأربعينياتت بنحو عقدين من الزمان، حينما أسس تحت رعايته شخصيا الجهاز الخاص السري الذي يمارس العنف ويقوم بعمليات الاغتيالات والتفجير والحرق.. وإذا كان البنا حينما أسس جماعته حاول في سنواتها الأولي اخفاء الهدف السياسي لها تحت ستار الدين والدعوة له، فإنه فعل ذات الشيء مع الجهاز الخاص حينما حاول اخفاء الهدف الأساسي له تحت ستار مناصرة الفلسطينيين باستهداف اليهود.. لكن هذا الجهاز الخاص السري للجماعة لم يقصر أعماله وجرائمه علي بعض المنشآت الاقتصادية والتجارية المملوكة لليهود فقط، انما كانت أبرز أعماله اغتيال القاضي الخازندار ورئيس الوزراء النقراشي.. وإذا كان البنا من أجل الحفاظ علي كيان جماعته بعد صدور قرار حلها قد اضطر للتنصل من جرائم هذا الجهاز إلا أن ذلك لا يعفيه شخصيا من مسئولية جرائم هذا الجهاز الذي أنشأه واختار له قياداته ورعاه وموله، بل وكان يصدر لهم التعليمات والتكليفات بما ينفذونه، كما قالوا هم ذلك ردا عليه بعد ان اعتبرهم في رسالة شهيرة (بأنهم ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين)!
وبعد مصرع البنا وفي إطار سعي الإخوان لاستعادة جماعتهم فانهم لم ينبذوا العنف ولم يقدموا اعتذارا عما ارتكبوه من جرائم.. وإذا كانوا قد اضطروا للإعلان عن حل هذا الجهاز الخاص في ظل مرشد جديد لهم، إلا أنهم لم يكفوا عن ممارسة العنف وحاولوا اغتيال الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر عام ١٩٥٤ حينما اختلفوا معه، وذلك تطبيقا لوصية حسن البنا لهم بمخاصمة السياسيين الذين لا يستجيبوا لهم مخاصمة شديدة لديدة، بعد أن رفض عبدالناصر أن يفرضوا وصايتهم علي الحكم وقتها من خلال الموافقة والتصديق علي أي قرار حكومي!
لذلك.. نحن لسنا بأغبياء ليخدعنا مجددا بعض منشقي الاخوان الذين يحاولون غسل سمعة الجماعة ومؤسسها حسن البنا بادعاء أن البنا أسسها كجماعة دعوة دينية سلمية.. انها منذ اللحظة الأولي لها جماعة أسست علي التكفير وتنتهج الفكر المتطرف، وتورطت منذ وقت مبكر جدا في ممارسة العنف في البداية ضد المخالفين لمؤسسها الذين أعلنوا رفضهم لفساد أخلاقي ومالي فيها، ثم ضد القضاة والسياسيين المخالفين له، وبعدها ضد المجتمع كله، وهو ما توسعت فيه الجماعة حاليا انتقاما من الشعب الذي انتفض ثائرا علي حكمها الفاشي المستبد.
بل ان ما يردده هؤلاء المنشقون من الجماعة يجعلنا نشك فيهم، وهذا ما يعززه كلامهم الذي لا يقدرون علي اخفاء تعاطفهم مع جماعتهم القديمة في ثناياه!
وهنا يصبح احتفاؤنا الإعلامي بهؤلاء خطأ كبيرا يتعين ان يتدارك الزملاء الأعزاء القائمين علي إدارة اعلامنا وصحفنا، حتي لا نتهم بأننا أدمنا خداع الاخوان لنا!