الوفد
عباس الطرابيلى
تغيير محلب.. خطأ وخطيئة
ليس دفاعاً عن المهندس إبراهيم محلب، رغم أنه يستحق الدفاع، بجدارة.. ولكنه دفاع عن مبدأ «اعطاء الوقت الكافي» للحكومة لكي تنفذ برنامجها.. وأيضا حتي لا يقال عنا «نحن دولة لا تعيش لها.. حكومة.. فكم من حكومة بعضها عاش أياماً قليلة.. وكم من رئيس حكومة لا يستحق أن نتذكره.. ولكن محلب بك- بكل المقاييس- رئيس حكومة مختلف. ربما لأنه رئيس الحكومة الميداني الوحيد الذي يعيش في الشوارع والحواري.. ووسط الأزمات، أكثر مما يعيش في المكاتب المكيفة، وداخل القصور المرفهة.. وكم رأيناه وسط العشوائيات والبيوت المتهدمة قبل أن يصل إليها صغار المسئولين.. حتي تخيلته ينام مرتدياً ملابسه فلا يحتاج لأكثر من أن يضع قدميه في نعليه..
<< هنا يقول البعض: هذا ليس عمل رئيس الحكومة.. بل عمل المسئولين المحليين التنفيذيين، ولكنه هنا يريد أن يضرب المثل، للصغير.. قبل الكبير بسرعة التحرك، وأهمية التواجد في موقع الحدث، لينقذ من يستطيع انقاذه ربما وهو تحت الأنقاض.. والذين يعتبرون سرعة تواجد رئيس الحكومة في قلب الأحداث نسوا أن من المسئولين من يذهب إلي موقع الحدث لكي يتم تصويره.. ويراه الناس.. أما محلب بك فإنه يريد أن يري الناس أعماله.. قبل «ظهوره» في الصور..ونسينا جميعاً ما نقوله عن الكبار الذين يعيشون في قصور عاجية، لا يرون الناس.. ولا يرونه الناس.. يعني مجرد «كمالة عدد».. ونسينا أيضا أن وجود أكبر مسئول تنفيذي لا يريح فقط المنكوبين، بل يجبر من تحته من مسئولين تنفيذيين علي النزول إلي موقع أي حدث.. وهنا هل نردد المثل الشعبي «مالقوش في الورد عيب.. قالوا: يا أحمر الخدين!».
<< ولكن نجاح رئيس الحكومة، المسمي محلب بك، جعل معظم المسئولين يغيرون منه ومن سلوكه، ومن قدرته علي التواجد، حتي تندر البعض أنه يدفع بعدد ممن يشبهونه للنزول إلي المواقع حيث المآسي!! حتي بات بعضنا يكاد يعتقد بفكرة البدلاء.. ولكننا نسينا هنا أن تواجد رئيس الحكومة في مكتبه قبل الثامنة صباحاً، رغم أنه لا يغادره قبل الثانية بعد منتصف الليل، هذا التواجد: في المكاتب وفي قلب الأحداث جعلنا نتوقع أن يعقد رئيس الحكومة اجتماع الوزراء الأسبوعي، كل مرة، في موقع أحد الأحداث المؤلمة!!
بل كثير من الوزراء- أيضا- يذهبون إلي مكاتبهم- قبل الثامنة صباحا. وأتذكر وزير التجارة والصناعة منير فخري عبدالنور أيقظني من النوم- في الأسبوع الماضي- قبل التاسعة وكنت في الساحل الشمالي.. ولما تعجبت ولاحظ الوزير ذلك- اعتذر ووعد بالاتصال مرة أخري. وخجلت من نفسي أن الوزير- كما رئيس الوزراء- في مكتبه بينما أنا أنعم.. بالساحل الشمالي!!
<< حقاً.. ماذا نريد من رئيس الوزراء.. البعض قال: نريده سياسياً يفهم أساسيات العمل السياسي.. ونسينا أن جاءنا مرة رئيس للوزراء له سمعة عالمية في عالم السياسة والمال والاقتصاد.. ولم يفعل شيئا يذكر..
ونسينا أننا- كنا نشتكي- من غياب رئيس حكومة ميداني.. فلما جاء لنا رئيس وزراء من أكبر قاعدة للعمل الميداني، تعود علي العمل الميداني كثر الحديث عن أن هذا ليس عمله.. هنا نقول: حيرتونا.. واحترنا معكم.. وتذكرت الفنان الجزيري عندما وقف يصرخ في المحكمة: يا عالم نفتح الشباك.. والا نقفل الشباك..
<< ولكنني أرد علي المتقولين علي المهندس إبراهيم محلب بأنه ميداني.. بينما البلاد تحتاج إلي من يملك رأساً سياسيا.. نقول: لقد تعبنا كثيرا من سلوكيات هذه النوعية من رؤساء الحكومات.. ولكنني أري أن هؤلاء يهاجمون الرجل لأنه ناجح.. ولأنه ناجح.. يطالبون بإزاحته.. وأخشي ما أخشاه هنا أن نفقد- تحت هذه الدعاوي البطالة- وجود رئيس حكومة إنسان. تحركه إنسانيته وتقوده حاسته الإنسانية، لخدمة الناس.. هم إذن يريدون إعدامه لأنه ناجح.. يريدون رأسه. وللأسف كثر الكلام علي «ميدانيته» وازداد الكلام عن رئيس الحكومة السياسي.. ولكن من قال إن محلب بك ليس رجل سياسة..
<< ولكن البعض استغل ملاحظة أطلقها مرة الرئيس السيسي، عن «البلدوزر» وبدأ البعض يتحدث عن قيادة بسرعة الصاروخ.. وحكومة بسرعة السلحفاة.. متخيلين أن هذا يرضي الرئيس السيسي.. ويمكن أن يؤدي إلي سقوط محلب بك..
واعترف أنني ألمح في نظرات رئيس الحكومة، نظرة حزن حقيقي بل ومصحوبة بكثير من الأسي.. وأري أن الرجل يحس بأن جزاءه الآن يقترب من جزاء سنمار.. ولكنني أتمني ألا يكون شعوري هذا حقيقيا.. حتي لا نفاجأ ذات صباح بمن يرفض، أن يصبح رئيساً لوزراء مصر المحروسة.. وأصدقكم القول إن هذا سيحدث حقيقة لو استمررنا في سياسة جلد كل من يعمل بأمانة وصدق وشرف.. ويريد أن يخدم الناس..
<< ودعونا هنا من هذا الأثر النفسي لندخل في صلب الموضوع بجدية فهل نحن فعلا نوافق علي تغيير حكومة محلب بك.. وهل الحجة هي الانتخابات، رغم أنني أري ضرورة بقاء حكومته إلي ما بعد اتمام هذه الانتخابات.. وأيهما أصح لمصر وللحكومة وللناس.
هذا موضوع مقالنا غداً.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف