الأخبار
الشيخ صالح كامل
يا غريب خليك أديب
إذا فقد المرء اعتزازه بذاته.. فقد ذاته نفسها.. وأصبح بلا هوية وبلا عنوان.. وحين يفعل المرءُ ذلك، لايعود يكترث لأفعاله ولايهتم لما يقال عنها من قدح وانتقاد. والغيرة علي الهوية هي صنو الاعتزاز بالذات، وهما معاً الرادع والمانع لكل تصرف مسيء أو فعلٍ قميء، خوفاً من الوقوع في الانتقاص من أحدهما أو كليهما.
والمثل الشعبي الموافق للاعتزاز والغيرة يقول : « يا غريب خليك أديب «، وبقدر بساطة هذا النداء ثلاثي الكلمات، بقدر ما يحمل من وصف وتحليل للذات العربية الأبية التي تغير علي هويتها العربية، وتسلك كل طرق الأدب حفاظاً عليها، وتتجنب كل مسالك اللامبالاة التي تجلب لها نقداً أو إدانة.. كابحةً من أجلها كل رغبات الانفلات والإنطلاق اللا مسئول، حتي لو كان تحت مسمي الحرية الشخصية..
والمنطق والعقلاء من الناس المحترمين، يعرفون ويدركون أن الحرية الشخصية للإنسان تنتهي حين تبدأ خرية الأخرين..
وقبل الدول الحديثة والأنظمة والقوانين المنظمة للعلاقات بين الناس والناس.. إخترع العرب بحكم أخلاقهم وحشمتهم ما يسمي « بالعُرف « حتي أمسي قانوناً يسري عند بعضهم حتي اليوم وتلجأ إليه القبائل، حين تختلف علي تفسير الأنظمة والقوانين، وهو ما يُعرف بإسم « حق عرب « و» جلسة عرب «.والحمد لله الذي حفظ للعرب هذا المفهوم رغم كل ما فرطوا فيه وما سُلب منهم وما أُجبروا عليه. ولن أتطرق إلي الدين الحنيف والمصطفي المبعوث رحمةً للعالمين عليه الصلاة والسلام بعد ما برِع بعضنا للأسف في استخدام الدين عاطل علي باطل.. ولكنني أشير إلي أن الحياء شعبةٌ من شعب الإيمان.. والحياء شعيرةٌ تحث كل الأديان علي ممارستها والحفاظ عليها، لأنها الصلة التي تعزز من تراحم الناس وتزيد من ترابطهم وتحفظ خصوصياتهم وتعمل علي إثراء حرياتهم دون تجاوز.
لقد راعني ما شهدته بالأمس في مدينة باريس، وتحت برجها الشهير « إيفل « !!
مجموعة من الخليجيين - دون تحديد - تحت هذا الرمز الحضاري الذي يُعد إحدي عجائب الدنيا السبع، أرادت أن تكون هي العجيبة الثامنة، فرشت سجاجيدها الشرقية - زيادة في النكاية والدلالة - في الساحة الخارجية للبرج، تجتر أنفاس الشيشة، وتلعب الورق ( الكوتشينة ) علماً بأن أصحاب المقاهي الباريسية لا يقدمونها إلا بترخيص رسمي وبدفع ضرائب إضافية، ولكننا ببساطة شديدة نحتل ساحة البرج ونشعل تبغنا، « واللي يعرفنا يروح يقول لأبونا « هذا القول هو شعار كل مستهتر في غربة، لا يراعي الذوق والمشاعر للبلد الذي ابتُلي بزيارته - أعني البلد - وكان الله في عون حكوماتنا العربية التي تصرف المليارات في قطاعات شتي من أجل تحسين صورة البلد ومواطنيها، وتسهم في إغاثة الملهوف ومعاونة المتضررين ومساعدة المنكوبين. بينما نكبتنا الحقيقية تكمن في هذا النوع من البشر الذين لا يراعون تقاليد ولا يحترمون أعرافاً..
رأيت بعيني مواطناً من هؤلاء يسير في شارع فرنسي - بلد الموضة والأزياء - بسرواله الداخلي الطويل الأبيض والذي عادةً ما نرتديه في الخليج تحت الثوب الرسمي احتراماً ووقاراً.. كان هذا الأبله يمشي به مع فلينته الداخلية، وعلي رأسه قبعة..
مجموعة أخري هؤلاء البشر : رأيتهم في «كان» الفرنسية يرقصون في الشارع رقصاً خليجياً، وكأنهم لايدركون تحت أي مؤثر أن الرقص حتي في فرنسا له أماكن وقواعد وأصول، لأنه في النهاية فن رفيع وذوق راقٍ.
وبحكم تنقلي بين شواطئ المتوسط الشمالية وأعني بها الأوربية كما تقول الجغرافيا، وشواطئه الجنوبية وهي المصرية بالطبع، عرفت أنه في الإسكندرية عروس المتوسط الغارقة في الحضارة والعابقة بالتاريخ.. أنشأوا جمعية تحت مسمي « أغيثونا « بعد أن أخذ البعض وهم قلة يمشي في شوارعها « بالكلسون، أو الكيلوت « الداخلي فقط.. وأن الناس أصبحوا يفترشون الميادين والأرصفة الراقية بحلات المحشي.. وتحول ما يُطلق عليه مجازاً الساحل الشمالي في مصر إلي شواطئ وأماكن لا تختلف كثيراً عن شواطئ جمصه، وبلطيم.. مع كل الاحترام لهما والإعتزاز بهما وبغيرهما من المواقع.. الفارق الوحيد، يكمن في ارتفاع الأسعار لدرجة الجنون والطيش.
والحقيقة أن سلوك الناس هو الذي يصنع الفارق فالحضارة ممارسة والمدنية سلوك علي الناس أن يمارسوه بحب وإخلاص، أو علي الدولة أن تفرضه وخلاص.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف