محمد عبد الهادى علام
مؤتمر واشنطن لمكافحة الإرهاب..ازدواجية معايير أم ازدواجية ضمير!
بعد حادثة شارلى إبدو فى باريس قبل أسابيع قليلة، انتفضت العواصم الغربية بعد صدمة استهداف مجلة ساخرة وقتل عدد من رساميها المعروفين فى قلب العاصمة الفرنسية، وتحولت وسائل الإعلام الغربية إلى مأتم كبير ومعها العالم بأسره الذى يرفض كل أشكال الدموية والإجرام باسم الدين،
وبعدها بأيام خرج قادة العالم فى مسيرة مليونية بباريس ضد الإرهاب وتضامنا مع الشعب الفرنسي، وخرج البيت الأبيض ببيان شديد اللهجة، يدعو إلى عقد مؤتمر دولى فى واشنطن فى 18 فبراير الحالى من أجل مواجهة خطر التنظيمات المتطرفة.
ولم تقم الإدارة الأمريكية حتى تلك اللحظة بإعلان واضح عن طبيعة المؤتمر الموسع الذى وجهت الدعوة لحضوره إلى كل الأطراف المعنية بموجة التطرف الحالية فى الشرق الأوسط التى وصل تأثيرها إلى القادةش الأوروبية، ولم يخرج علينا مسئول من إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما بمراجعات للموقف الحالى الذى لا تبدو فيه قوات التحالف الدولى التى تحارب تنظيم داعش الإرهابى فى سوريا والعراق قادرة على تحقيق إنجاز فعلى بعد موجات من القصف الجوى المتتالية على أهداف فى البلدين.
المنهج الأمريكى الحالى يثير علامات استفهام عديدة، ولا يقدم إجابات عن سياسات ملتبسة تزيد من ارتباك المشهد فى المنطقة العربية، فكيف لدولة عظمى تتحدث عن مواجهة جماعات الإرهاب وهى مصرة على أن الجماعة-الأم «الإخوان» لا تشكل خطراً على مصالح الدول الحليفة والصديقة رغم منهج العنف والتخريب الذى تبنته تلك الجماعة، وتحدثت قيادتها عنه علانية بعد سقوطها المدوى فى مصر بعد الثورة الشعبية فى 30 يونيو من عام 2013 وقيام أذرعها الإرهابية، التى أسميها «روافد الإخوان»، بشن عمليات قتل وتدمير فى سائر أنحاء البلاد فيما يواجه الجيش المصرى والشرطة تنظيمات مسلحة شديدة الضراوة فى سيناء أطلقت كل طاقات الشر والخراب بعد سقوط التنظيم الأكبر على يد الشعب المصرى وبدعم من جيشه العظيم.
لم تعد بيانات الإدارة الأمريكية بعد كل عملية إجرامية فى الأراضى المصرية تكفى لتبرير موقف واشنطن، وتثبت أنها تطلق تلك التصريحات من باب «الروتين» المعتاد وليس عن قناعة بأن هناك خطرا داهما يهدد الكل فى الشرق الأوسط.
فى الأسبوع الماضى تكشفت فى واشنطن تفاصيل جديدة عن مواصلة السلطات الأمريكية الاتصالات مع جماعة الإخوان بعد أن اضطرت وزارة الخارجية الأمريكية إلى الاعتراف بعقد جلسة خاصة مع وفد من قيادات التنظيم الدولى الهاربة من العدالة وصل إلى العاصمة الأمريكية لحشد الدعم وإبلاغ رسائل من القيادات العليا باستمرارهم فى العنف ضد السلطة فى مصر ومحاولة التواصل مع مجتمع المال والأعمال الأمريكى لمحاولة الترويج إلى أن المؤتمر الاقتصادى العالمى فى مارس المقبل لن يكتب له النجاح فى ظل غياب الإخوان عن المشهد السياسى فى البلاد وهو تصور متوهم ولا يحمل ظلا من الحقيقة، ومن أجل أن تصل الرسالة إلى شركاء الجماعة فى واشنطن وغيرها من العواصم الغربية كثفت الجماعة الإرهابية من عملياتها التخريبية فى الداخل، وقاسى المصريون على مدى أيام من موجة إرهابية جديدة وصلت إلى ذروتها بالهجوم الغادر على معسكرات الجيش فى سيناء التى نقلتها القناة التى تتحدث باسمهم على الهواء مباشرة فى انتهاك واضح للقوانين والمواثيق الدولية.
ولم يحرك المسئولون الأمريكيون ساكنا أمام تلك التطورات المؤسفة التى تهدد مستقبل أمة وشعب، كل جريمته أمام الشريك الأمريكى أنه يطمح إلى بناء دولة مدنية حديثة، وربما جريمته أيضا أنه رفض الانجرار وراء سيناريو العراق وسوريا وليبيا، وأخرج من مخزونه الحضارى ما ذاد به عن تماسكه ووحدته فى مواجهة قوى الظلام التى أرادت أن تحكمه بعقلية طائفية تآمرية بغيضة.