لا شك أن وقفة الأئمة التضامنية مع رجال الجيش والشرطة يوم الثلاثاء الماضى تشكل خطا فاصلا فى تاريخ وزارة الأوقاف المصرية وأداء وعطاء أئمة الأوقاف فى هذه المرحلة الفارقة من تاريخ مصر, وبخاصة فيما يتصل بمواجهة الإرهاب والتحديات من جهة, والاستجابة لتوجيه السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية بتجديد الخطاب الدينى من جهة أخرى, فى ظل تلك الموجات الإرهابية التى تعصف بمنطقتنا العربية, والتى بلغت أعلى درجاتها همجية ووحشية فى تلك الصورة البشعة التى قام بها تنظيم داعش الإرهابي, عندما تجرد من كل المعانى الإنسانية فأقدم على حرق الطيار الأردنى معاذ الكساسبة حيًا , فى صورة استفزت مشاعر العالم كله .
وفى ظل ما تمارسه الجماعات الإرهابية التى تحاول العبث بأمننا القومى من خلال الاعتداء الممنهج على رجال القوات المسلحة ورجال الشرطة, وزرع القنابل والمتفجرات, وعمليات التفخيخ والقتل والتخريب وسفك الدماء, خرج السادة الأئمة ليعبروا عن وسطية الإسلام فى وقفة مشرفة سيذكرها التاريخ بكل فخر, ويسطرها بحروف من نور فى تاريخ أبناء الأزهر الشريف من أئمة الأوقاف الذين جاءوا ليرددوا فى صوت واحد : كلنا للوطن , كلنا مع الجيش , كلنا جيش مصر, كلنا مع الشرطة, كلنا فداء لديننا ووطننا وأمتنا العربية , ويؤكدون على منهجهم الفكرى الوسطى المعتدل : نعم للوسطية , نعم للتسامح, لا للتطرف, لا للإرهاب, لا للجمود, نعم لتجديد وتصويب الخطاب الدينى .
ولم يقف عطاء المشاركين فى هذه الوقفة عند ذلك, إنما أعلنوا عن تبرعهم بيوم من راتبهم لصالح صندوق رعاية مصابى الجيش والشرطة, وعن إطلاق اسم شهيد من شهداء الجيش, وآخر من شهداء الشرطة على مسجدين من المساجد الكبرى بكل محافظة, بناء على ترشيح وزارة الدفاع لأسماء شهدائها ووزارة الداخلية لأسماء شهدائها, تقديرًا وعرفانًا لما قدمه هؤلاء الأبطال فى الذود عن الوطن والأرض والعرض وكرامة مصر وأمنها بل وأمن أمتها العربية .
وشئ آخر يحسب للسادة الأئمة , ويعد أنموذجًا حضاريا راقيا هو طريقة الوقفة التى تمت فى إطار القانون وبموافقة رسمية, وكانت لمدة ساعة واحدة بدأت فى الساعة الثانية عشرة والنصف وانتهت فى الساعة الواحدة والنصف بالدقيقة دون أن تقطع طريقًا أو تعوق سيرًا, وقد ترك الأئمة المكان أفضل وأنظف مما كان فى روح حضارية راقية .
يضاف إلى ذلك استعادة الأوقاف للخطاب الدينى الذى اختطفته الجماعات الظلامية والإرهابية والمتشددة فى السنوات والعقود الماضية, وانحرفت به عن الجادة, فاستطاعت الوزارة أن تسترد مساجدها, وأن تنأى بها عن التوظيف الحزبى والشخصي, لتعمل على ترسيخ القيم والأخلاق, والولاء للوطن, وفقه التعايش السلمى بين أبناء الوطن الواحد فى ضوء التسامح الدينى والأخلاقى الذى تؤصله وتؤكده الأديان كلها, مع العمل على دفع عجلة الإنتاج إلى الأمام, رغبة فى البناء والتعمير فى مواجهة الهدم والتخريب.
وتفاعلا مع مبادرة صحيفة الأهرام التى أطلقتها صفحة الفكر الدينى يوم الأربعاء الماضى بشأن حاجة العشوائيات إلى القوافل الدعوية , كانت الاستجابة السريعة بإعلان القطاع الدينى تسيير قوافل متتابعة للمناطق العشوائية, حيث تنطلق اليوم قافلة الأوقاف الدعوية بمنطقتي: عزبة خيرالله, وعزبة أبى قرن بمصر القديمة بالقاهرة, ويجرى التنسيق مع وزارة التموين لأن تكون هناك قوافل تموينية لبيع المنتجات بأسعار مخفضة بالتوازى مع القوافل الدعوية, كما يجرى التنسيق مع الجهات المعنية لكى تقوم وزارة الأوقاف بالإسهام فى بعض الجوانب التنموية وتطوير العشوائيات.
وفى موكب الوطنية أيضا أشير إلى أن أئمة الأوقاف أثبتوا أنهم قادرون على اقتحام الصعاب فى الأسابيع القليلة الماضية , حيث انتشروا فى المناطق التى شهدت أحداثا للجماعات المتشددة, وتلك المناطق التى كان يقال إنها معاقل لهم, فانتشر أكثر من مائة إمام فى مناطق “ المطرية”, و” المرج “, و”عين شمس “ بالقاهرة, ونحو ستين إمامًا بمناطق “ كرداسة “, و” ناهيا “ بالجيزة , وأكثر من عشرين إمامًا بقرية “ دلجا “ محافظة المنيا , إضافة إلى استمرار السيطرة على المساجد التى كانت تعد حصونا لبعض الجماعات والجمعيات, “ كأسد بن الفرات “ بالدقي, و “ القائد إبراهيم” بالإسكندرية, و “العزيز بالله” بالزيتون, وغير ذلك من المساجد, فلم يعد مسجد منها بمنأى عن يد الأوقاف.
وكان هذا الانتشار مقصودًا لذاته, للتأكيد على بسط سيطرة الأوقاف على المساجد من جهة, وعلى بسط الدولة لسيطرتها على كل شبر من أرض الوطن من جهة أخرى, فلا توجد منطقة واحدة خارج سيطرة الدولة, وإلا فكيف يمكن لأئمة الأوقاف دخولها؟ .
كما أن الأئمة أرادوا أن يرسلوا للعالم كله رسالة واضحة هى أنهم على وعى بأن القيادة السياسية حريصة على نشر الفكر الإسلامى الوسطى الصحيح, ومن هنا كان إيمانهم بها والتفافهم حولها فى ضوء ما يخدم مصالح الدين والوطن والبلاد والعباد.