المساء
مؤمن الهباء
سيولة تشريعية!!
الجدل الدائر حالياً حول قانون الخدمة المدنية فتح الباب لمناقشة التشريعات التي تصدر متسارعة بقرارات جمهورية في غيبة البرلمان.. والتي بلغ عددها خلال العامين الماضيين 410 قوانين - البعض يبالغ ويقدرها بـ 700 قانون - والتي سوف يكون علي البرلمان القادم النظر فيها لإقرارها أو تعديلها أو إلغائها في غضون 15 يوماً.. وهو أمر مستحيل عقلاً ومنطقاً.. ومستحيل واقعياً أيضاً.
كثيرون يحذرون من هذه السيولة التشريعية.. سواء من حيث الكم لأن العدد الكبير من القوانين والقرارات التي صدرت تعبر عن إسراف غير مسبوق في إصدار القوانين.. أو من حيث الكيف لأن هذه القوانين لم تستوف الآليات الصحيحة المطلوبة للمناقشة والإصدار.
وهؤلاء يرون أن القوانين الكثيرة التي صدرت خلال العامين الماضيين معرضة للخطر عند عرضها علي مجلس النواب القادم خلال المدة المقررة دستورياً.. كما أنها معرضة للطعن عليها بعدم الدستورية لعدم تحقق شرط الاستعمال والخطر الذي لا يحتمل التأخير.. وهذه هي موجبات الترخيص للسلطة التنفيذية كي تصدر تشريعاً استثنائياً في حالة غياب البرلمان أو عدم وجوده أصلاً.. لكن يبدو أن اللجنة العليا للإصلاح التشريعي قد راق لها أن تحول الاستثناء إلي قاعدة.
وقد تناول الدكتور شوقي السيد هذه الظاهرة التي أسماها "فوضي تشريعية" في دراسة علمية إحصائية وافية نشرتها "المصري اليوم" في عدد الأحد 9/8/2015 محذراً من أن إطلاق تصريحات لا تنقطع من اللجنة العليا للإصلاح التشريعي ولجانها المختلفة سواء في بيان إعداد المشروعات بقوانين المزمع إصدارها.. أو بعد إصدار تلك التشريعات.. يعكس اضطراباً تشريعياً في المجتمع ليس في صالح أحد.. وتقول لنا تلك الحقيقة بالأرقام إن الأمر جد خطير.. فانتبهوا أيها السادة!!
وتقول الدراسة إن عدد التشريعات التي صدرت خلال سنتين اثنتين فقط منذ يوليو 2013 حتي يوليو 2015 بلغ 409 تشريعات قبل صدور قانون مكافحة الإرهاب وهذا الرقم عداً وحصراً.. أي بمعدل 204 تشريعات سنوياً.. أي 17 تشريعاً شهرياً ونحو أكثر من أربعة تشريعات أسبوعياً.. وهذه السياسة التشريعية بلغة الدراسات التشريعية والقانونية المتخصصة تعتبر كماً هائلاً ومفزعاً.
وبالدراسة المقارنة فإن المعدل الذي درجت عليه السلطة التشريعية حتي مع وجود البرلمان خلال السنوات: 2000 . 2006 . وحتي برلمان 2010 كان متوسط إصدار التشريعات أقل من ذلك بكثير إذ لم يتجاوز 168. 153. 140 تشريعاً علي التوالي.. وكان هذا العدد وقتئذ من وجهة السياسة التشريعية مستهجناً.. وكنا نصرخ ونقول عنها إنها تشريعات رد الفعل.. والتشريعات السريعة.. وتشريعات منتصف الليل.. ومع ذلك لم تبلغ هذا العدد الذي صدر خلال فترة غياب البرلمان في عامي 2013 حتي .2015
ويعبر هذا السباق في إصدار التشريعات عن اضطراب وفوضي تشريعية وسوء فهم لحكمة التشريع وفلسفته.. وهو منهج كان متبعاً باستسهال اللجوء إلي التشريع للقضاء علي المشاكل.. وكأن التشريع يملك عصا سحرية لمواجهة المشاكل والقضاء عليها.. وهي فلسفة تعكس تراثاً سياسياً وقانونياً سلبياً وخاطئاً.. حتي لو كان يقدم المسكنات الوقتية.. لأنها سياسة لم تسمن ولم تغن من جوع.. فحل المشاكل يتطلب دراسة أسبابها وجذورها ثم اقتراح الحلول وسبل المواجهة.. ثم يأتي بعد ذلك دور التشريع لوضع هذه المقترحات والآليات موضع التنفيذ بأسلوب محكم وصياغة دقيقة وفقاً لمباديء الدستور.
هل أدركنا الآن لماذا تعلو الصرخات مع كل قانون جديد يصدر دون مناقشة مستفيضة.. ولماذا تدخل الحكومة في صراع مع مواطنيها بسبب قانون الخدمة المدنية.. ولماذا يفضل الصحفيون الآن العودة إلي عقوبة الحبس في قضايا النشر بدلاً من الغرامة التي وصلت إلي نصف مليون جنيه؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف