محمد حبيب
ما زال الطريق أمام الأحزاب طويلاً
فى الدول الديمقراطية العريقة، تلعب الأحزاب دوراً كبيراً فى نهضة وتقدم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. من ناحيتها، تقوم مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية بتهيئة المناخ وإزالة جميع العوائق من أمام الأحزاب لإنجاح هذا الدور، على اعتبار أن الحزب المعارض اليوم قد يكون هو الحزب الحاكم غداً، فضلاً عما قد يطرحه الحزب من أفكار ورؤى يمكن الاستفادة بها.. كما تسهم المؤسسات الإعلامية هى الأخرى بشكل فاعل ومؤثر فى نهضة الأحزاب، وذلك بالاهتمام بها والتواصل معها ونقل أفكارها وأنشطتها وبرامجها، وهكذا..
أما فى نظم الحكم الديكتاتورية، فالأمر مختلف تماماً؛ إذ تعمل هذه النظم على قمع وإسكات أى صوت معارض.. وحتى إذا اضطرت إلى السماح بقيام أحزاب، فإنها تضع من التشريعات والقوانين والإجراءات بحيث لا يلج إلى الحياة السياسية إلا الأحزاب الضعيفة التى ليس لها وجود حقيقى فى المجتمع، ولا يتوقع أن يكون لها وجود.. وفى حالة ما إذا سمحت لبعض الأحزاب بالوجود القانونى، فإنها تعمل على استمالتها إلى جانبها، وتطويعها وتدجينها، وإذا لم تفلح قامت باختراقها ووضع العوائق أمامها بهدف إضعافها وتشتيت جهودها، وإذا لم تنجح فى ذلك عمدت إلى تفجيرها من الداخل، كما حدث فى عهد مبارك لأحزاب: مصر الفتاة، والعمل، والوفد، والغد.. وقد كان مجرد تفكير الإخوان فى إنشاء حزب أيام مبارك كفيلاً بإشعال أزمة عنيفة مع نظام حكمه، فقد كان يعتبر ذلك خطاً أحمر لا يجب الاقتراب منه، فضلاً عن المساس به.
لا شك أن الأحزاب المصرية بشكلها الحالى وعلى اختلاف مرجعياتها تمثل أحد الأسباب الرئيسية وراء تردى الحياة السياسية، وقد يرجع ذلك لمجموعة من العوامل، يأتى على رأسها، أولاً: ضعف وهشاشة بنائها الداخلى، من حيث (الهياكل التنظيمية والإدارية واللجان الفنية والنوعية، ممارسة الديمقراطية، ومؤسسية اتخاذ القرارات.. الخ)، ثانيا: محدودية انتشارها على المستوى المجتمعى العام؛ فى العواصم، والمدن، والقرى، والكفور، والنجوع، ثالثا: ضعف تفاعلها مع مشكلات المجتمع فى كل المجالات والميادين وعلى كل الأصعدة، وعدم قدرتها على تقديم حلول مقنعة وحقيقية لها، رابعاً: افتقارها إلى المصداقية والشفافية، خاصة فيما يتعلق بالتمويل ومصادره، خامساً: عدم وجود رموز وطنية وشخصيات عامة ذات تاريخ وقبول على المستوى المجتمعى، وسادساً: الانقسامات والخلافات الداخلية التى نشهدها هذه الأيام.. والمتأمل جيداً فى هذه العوامل الستة، يمكنه أن يقول إن الطريق ما زال أمام الأحزاب شاقاً وطويلاً، وأنها لن تستطيع الظهور أو الوجود المؤثر والفاعل، إلا إذا تمكنت من سد هذه الثغرات الست.
غنى عن البيان أن المال يلعب دوراً رئيسياً فى حياة أى حزب.. إذ لا يستطيع حزب أن يتكون ابتداء وأن يُشهر ويُعرف دون أن يتوافر لديه قدر معقول من المال.. فالحزب فى حاجة إلى مقرات، ومؤتمرات، وحركة مستمرة فى المحافظات المختلفة، ونشرات دورية وغير دورية.. الخ، وكل ذلك يتطلب مالاً كثيراً.. من ناحية أخرى، يلعب رجال المال دوراً مؤثراً وفاعلاً، ليس فقط فى تكوين الحزب وتأسيسه، ولكن أيضاً فى توجهاته وسياساته، وهذه مشكلة كبيرة..
نحن لدينا الآن أكثر من مائة حزب، نسمع عن أسماء بعضها، لكنا لا نسمع شيئاً عن أغلبها.. ويلاحظ أن معظم الأحزاب المعروفة قريبة من بعضها من حيث البرامج والتوجهات والأفكار والرؤى، ولا توجد بينها اختلافات جوهرية أو حتى غير جوهرية، وبالتالى يمكن دمجها فى عدد محدود للغاية.. ولا شك أن عدم وجود محاولات جادة -أو حتى غير جادة- لعملية الاندماج يفقد الأحزاب مصداقيتها لدى المواطن الذى يشعر أن الأحزاب لا تهمها البرامج التى تتبناها، بقدر ما يهمها ويشغل بالها أن تجد لنفسها أو لأعضائها مواطئ أقدام فى المجلس النيابى.. ولهذا السبب وغيره، لا بد للأحزاب أن تنشغل بهذه القضية؛ لأنها سوف تؤدى إلى تقويتها وبروزها على الساحة السياسية من ناحية، ولتكوين مصداقية لها لدى رجل الشارع من ناحية ثانية.. لذا، إذا كان لدينا -حسب التقسيمات الرئيسية المعروفة- يمين، ووسط، ويسار، فيمكن تقسيم كل منها إلى ثلاثة أقسام (يمين اليمين -وسط اليمين- يسار اليمين)، وهكذا بالنسبة للقسمين الآخرين، فيكون لدينا تسعة أحزاب فقط بدلاً من هذا العدد الضخم وغير المعقول الذى نراه.. بالطبع سوف تكون هناك مشكلة المحاصصة (وهى بالفعل مشكلة عويصة)، فكل حزب -أو بالأحرى قيادات كل حزب- تريد أن يكون لها مكانها ومواقعها فى الحزب الكبير.
يزيد من عمق مشكلة الأحزاب، فى مصر، أنه لا توجد قناعة لدى الجماهير على المستوى العام بوجودها، وسوف يظل نظام الانتخاب الفردى هو الأقرب إليها.. لذا، لا أعتقد أن الأحزاب، بشكلها الحالى وفى ظل ما تعانيه من ضعف وهشاشة، سوف يكون لها وجود مؤثر فى المجلس المقبل.. ربما يحصل بعضها على بضعة مقاعد قليلة، لكن معظمها -ممن لا نسمع عنه- لن يفوز بشىء.. هناك توجس من أن يحصل حزب النور على نسبة لا بأس بها وأنه سوف يحتل مكان الإخوان فى الانتخابات النيابية الماضية، لكن فى تصورى ربما لا تزيد النسبة عن ١٠٪ بأى حال.. أما النصيب الأكبر فسوف يكون «للمستقلين» على اختلاف توجهاتهم..