الجمهورية
د. محمد مختار جمعة
الجماعات الإسلامية بين الحقيقة والسراب
بداية لابد أن نفرق تفريقاً واضحاً لا لبس فيه بين الإسلام وبين ما يعرف بالجماعات الإسلامية. وأن نؤكد أن الإسلام ليس هو تلك الجماعات. ولا هذه الجماعات هي الإسلام. بل إن هذه الجماعات السياسية هي التي فرقت كلمة المسلمين ونالت من عظمة الإسلام بأخطائها التاريخية والقاتلة أحياناً. ولولا أن الإسلام يحمل في ذاته جوانب عظمته ومقومات وجوده. ولولا بقية مخلصة قال فيها النبي "صلي الله عليه وسلم": "لاتزال طائفة من أمتي علي الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتي يأتيهم أمر الله وهم كذلك" لكان الأمر أكثر خطورة وإيلاماً.
ولا شك أن أخطر ما واجهه الإسلام وما يواجهه عبر تاريخه الطويل. وبخاصة في عصرنا الحديث. هو متاجرة تلك الجماعات بالدين وتوظيفها له في خدمة أغراضها ومصالحها. ومحاولتها اتخاذه مطية لاعتلاء سدة الحكم. وتحقيق المكاسب والثروات. بل قد يصل الأمر إلي خدمة أعداء الأمة وخيانة الأوطان تحت التستر بعباءة الإسلام لأجل تحقيق هذه المنافع.
وقد دفعني إلي كتابة هذا المقال دفعاً قراءتي لكتاب مهم جدير بالتأمل والنظر أهداه إلي مؤلفه الدكتور/ جمال سند السويدي مدير عام مركز الأهرام للدراسات والبحوث الاستراتيجية وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الامارات العربية المتحدة تحت عنوان: "السراب". حيث يري أن حال الملايين من شعوب بعض الدول العربية الإسلامية ممن ظنوا في الجماعات الدينية السياسية خيراً. واعتقدوا بامتلاكها مقدرة علي إصلاح الأوضاع وتحقيق طموحاتهم التنموية والعبور بمجتمعاتهم إلي بر الحداثة والتطور. حال هؤلاء أقرب إلي حال من خدع بظاهرة السراب. التي يخيل للناظر أنها شيء وهي ليست شيئاً. يقول: لا أبالغ إذا قلت إن الخطر الذي يتعرض له الدين داخل العالمين العربي والإسلامي علي يد الجماعات الدينية السياسية هو أشد وأقسي من الخطر الناجم عن أعدائه وكارهيه في الخارج.
وعندما تأملت في عنوان الكتاب وفي فكرته استدعيت إلي الذاكرة كلمة "السراب" في قوله: "والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمأن ماء حتي إذا جاءه لم يجده شيئاً" "النور: 39". وتذكرت بعض أيام السفر في وقت الظهيرة في بعض المناطق الصحراوية حيث يخيل إليك علي بعد أن ثمة ماء علي الطريق علي مرمي البصر. حتي إذا اقتربت منه لم تجد شيئاً سوي ما كان من خداع ذلك السراب. وعندما حاولت أن أربط بين ذلك وبين فكرة الكتاب وبين أوهام تلك الجماعات وجدنا هذا الرباط وثيقاً. فلقد وعد بعض فاقدي العقل والفكر من منظري تلك الجماعاتا أتباعهم المخدوعين بهم بالمن والسلوي. وزعم بعضهم أن جبريل "عليه السلام" نزل عليهم ليظل الإرهابيين بجناحيه. وادعي آخر أنه رأي المعزول إماماً للحبيب محمد "صلي الله عليه وسلم". وما هي إلا خيالات وأوهام وأحلام نائم.
وكم ذا بهم من المضحكات وكم ذا بهم من المخزيات
ولكنه ضحك كالكبا يفقد جميع معاني الحيا
إنهم لا يتورعون عن الكذب والخداع والتضليل والميكافيلية المقيتة. وتربية عناصرهم علي ذلك. وتدربيهم علي التقية وأن الغاية تبرر الوسيلة.
غير أن العلي القدير الحكيم الخبير الذي يمهل ولا يهمل عاقبهم علي سرابهم بالسراب الذي يستحقونه. فما أن وطأت أقدامهم سلم السلطة حتي اكتشف المجتمع والعالم خداعهم وكذبهم وأنانيتهم وشرههم للسلطة والمال والجاه. وتنكرهم لشركاء الأمس وحلفائه. وغدرهم بالجميع. ونقضهم العهود والمواثيق. فلفظهم هذا المجتمع بسرعة وحسم غير متوقعين إلا من رزقه الله البصيرة في قراءة المشهد. ومن كانوا يعرفون طبيعة هذه الجماعات. فلم يتزحزحوا عن مواقفهم تجاهها. فما أن لفظهم الناس وكافئوهم علي زيفهم بما يستحقون من الرفض حتي جن جنونهم. وانكشفت حقيقتهم. وعادوا إلي سيرتهم الأولي من الغدر والخيانة قتلاً وإفساداً. وسفكاً للدماء البريئة. وتخريباً لعامر البنيان الذي نهي الله "عزوجل" عن تخريبه.
وحتي يزيدوا من خداع عناصرهم أخذ من فقدوا عقولهم من منظريهم كوجدي غنيم يكفرون جميع معارضيهم وغير المنتمين لهم. وانضم إليه آخرون في التحريض علي الاغتيال واستهداف رجال الجيش والشرطة والقضاء والعلماء والمفكرين والإعلاميين من مخالفيهم. مما لم يعد يحتمله دين ولا عقل ولا إنسانية.
غير أن هناك سراباً آخر يخدعون به من يدفعونهم دفعاً إلي التفجير والتدمير هو أن جزاءهم الجنة بما فيها من نعيم مقيم.
والذي لا مرية فيه أن من يقوم بهذه العمليات منتحر يعجل بنفسه إلي جهنم وبئس المهاد. غير أنهم للأسف الشديد أخذوا يستغلون الصبية والمعتوهين ومدمني المخدرات ليدفعوهم إلي الهلاك دفعاً. وقد أعجبني أحد المفكرين عندما قال لو جاءك من يقول لك: قم بعملية من هذه العمليات الانتحارية ولك الجنة. فقل له: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تذهب أنت إليها؟ ولماذا لم نجد أحد من أبنائهم قد ذهب إليها؟ وصدق الله العظيم إذ يقول: "ولتجدنهم أحرص الناس علي حياة" "البقرة: 96" مما يتطلب الحذر منهم ومن سرابهم وخداعهم وزيفهم وكذبهم وضلالهم وإضلالهم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف