صلاح الحفناوى
عكاشة وموسي.. وغرائب المحروسة
أكثر ما يؤلمني هو أنني فشلت في أن أكون كائناً ثورياً.. تتسابق علي استضافته الفضائيات وتستشهد بأقواله "الحكيمة" صحافة "الديجيتال" والورق ويستجيب لآرائه.. حتي ولو كانت هزلية.. مسئولو الإدارة العليا في البلاد.. وهو فشل ليس جديداً عليَّ.. فقد فشلت من قبل في أن أكون من الرواد في غسيل الأموال لأغتني واشتهر وأوفر لأبنائي حياة آدمية كريمة.. وعندما قررت أن أكون رجل أعمال فاسداً لكي أخرج من حالة "الفقر الحيثي" فشلت فشلاً مزودجا: أن أكون رجل أعمال وأن أكون فاسداً.
ما يؤلمني أكثر وأكثر هو أنني فشلت حتي في أن أكون في منتصف المسافة بين الكائنات الثورية.. والكائنات "الكنباوية" المنتمية إلي حزب الكنبة.. بل أصبحت وفق منطق الثورجية.. ضمن الثورة المضادة.. وفي أفضل الأحوال من الأذناب والفلول.. ورغم أن كل ما كتبته في هذا المكان تحقق وكل ما حذرت منه وقع وكل ما استنتجته أثبتت الأحداث صحته.. إلا أنه عندما يتعلق الأمر بتصنيف الكائنات إلي ثورية وثورية مضادة.. فإن "السيرة الذاتية" هي أول ما يتم تجاهله.. لأن الأخذ بها سوف يضع معظم الكائنات الثورية الحالية في مكانها الصحيح: وراء قضبان السجون.
أما ما يعذبني ويقض مضجعي فهو أن حياتي أصبحت سلسلة من المواجهات والمعارك غير المتكافئة مع الكائنات الثورية صاحبة الصوت المرتفع والتي تحتل كل مساحات البث الفضائي والنشر الرقمي والورقي إلا فيما ندر.. وتسيطر علي مواقع "التنابذ" الاجتماعي.. "فيس بوك" و"تويتر".. وان هذه المعارك تشمل عظائم الإمور وصغائرها.. حيث لا مساحة أبدا لاتفاق أو وفاق: مثلاً هم يرون توفيق عكاشة وصمة عار علي جبين الإعلام المصري ويصفوه بالأهطل وأنا أراه واحداً من أهم وأخطر وأكثر الإعلاميين تأثيراً. وهم يصفون أحمد موسي بأنه عميل أمن دولة وينافق النظام ويدافع عن خطاياه ويجمل جرائمه.. وأنا أراه واحدا من أكثر الإعلاميين تميزاً وتأثيراً.. ورغم ان لي أسبابي التي أعتقد أنها مقنعة وأن الديمقراطية الثورية تقتضي ان يستمعوا إلي إلا انهم لا يفعلون ويكتفون بطردي من جنة الكائنات الثورية التي لا أتمناها أبداً.
اعترف بأنني لم أشاهد أياً من برامج توفيق عكاشة لأكثر من دقائق أصاب بعدها بالضجر.. وان هذا بالتحديد هو سر إعجابي به.. بل هو سر وصفي له بالإعلامي العبقري.. فعكاشة لا يتحدث إلي ولا اليك.. نحن لسنا جمهوره.. رسالته ليست موجهة إلينا ولذلك فإن صياغتها لا تناسبنا.. هو يتحدث إلي قطاع هائل من المصريين فشل كل الإعلام المصري في الوصول إليهم.. الرجل القروي البسيط.. الفلاح المعجون بطين الأرض وعرق الشقي صاحب الأقدام المتشققة والأيدي الخشنة.. وهو بكل المقاييس نجح في الوصول إليه وقدم له علوم السياسة وقرأ له واقع البلد وحدثه عن حروب الجيل الرابع.. ولكن باللغة التي يفهمها وبالأسلوب الذي يحبه وبالطريقة التي تسعده.. لذلك هو إعلامي قدير ولذلك أيضاً هو مكروه من كل العجزة الذين فشلوا في الوصول إلي هذه الشريحة الهائلة من أهلنا.
والإعلامي أحمد موسي نموذج آخر.. استطاع أن يحدد الجمهور الذي يتوجه إليه برسالته الإعلامية ونجح في الوصول إليه بل ونجح في خلق حالة من الحماس والتفاؤل بين مشاهديه في أصعب اللحظات وأشدها قسوة علي الوطن والمواطن.. وهذه هي قمة النجاح.
الإعلام رسالة وإذا عجز الإعلامي عن توصيل رسالته فهو فاشل حتي ولو كان كلامه نظماً وقوله شعراً.