* علي مدي الأيام الثلاثة الماضية. شهد مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية أعمال الاجتماع التاسع والثمانين لضباط اتصال المكاتب الإقليمية لمقاطعة إسرائيل.. صدق أو لا تصدق!!!... الاجتماع التاسع والثمانين لضباط اتصال المكاتب الإقليمية لمقاطعة إسرائيل!!.. هل مازال هناك أحد يتذكر مقاطعة إسرائيل؟!!
علي حد علمي أن العرب يعتبرون الحديث عن مقاطعة إسرائيل موضة قديمة.. ومن مخلفات الماضي والكراكيب التي يجب التخلص منها.. مثل التليفزيون الأبيض والأسود.. لكن السفير محمد صبيح. الأمين العام المساعد للجامعة العربية لشئون فلسطين والأراضي المحتلة. والمفوض العام للمكتب الرئيسي للمقاطعة. يقول: إن المكتب. وهو أحد الأجهزة الرئيسية التابعة للجامعة العربية. ناقش عدداً من الموضوعات المتعلقة بالنظر في أوضاع عدد من الشركات التي تخرق قواعد المقاطعة. بهدف حظر التعامل العربي معها.. بالإضافة إلي مناقشة تعديل المبادئ العامة للمقاطعة العربية بهدف تفعيلها باعتبار أن المقاطعة إحدي الآليات المعمول بها للتعبير عن الرفض العربي لممارسات إسرائيل. وانتهاكها للأراضي العربية المحتلة.. وسوف يرفع الاجتماع ما توصل إليه من توصيات إلي الدورة المقبلة لوزراء الخارجية العرب في سبتمبر المقبل.
ونحن نشكر السفير محمد صبيح علي قدرته البلاغية في استحضار مفردات يعبر بها عن أشياء غير حاضرة أصلاً.. فمقاطعة إسرائيل والشركات التي تتعامل مع إسرائيل. صار حديثاً للذكري.. حديثاً في الماضي.. أيام كانت كل الدول العربية تقاطع إسرائيل. ومعظم أفريقيا وآسيا ودول عدم الانحياز. تقاطع إسرائيل من أجل عدالة القضية الفلسطينية وصلابة من يقفون في صف الدفاع عنها.. لكن بعد أن استدرجنا تباعاً إلي فخ التطبيع.. وهرول بعضنا إلي إسرائيل زحفاً علي الأيدي والأرجل. لم يعد لهذه المقاطعة معني.. ولم يعد بمقدور أي دولة عربية أن تقاطع شركة تتعامل مع إسرائيل.. لأن العالم كله صار يتعامل مع إسرائيل.. ونحن في المقدمة.. وبالتالي انهارت كل مبررات المقاطعة والمبادئ التي قامت عليها.
وبمنتهي الصراحة.. فإن الحديث اليوم عن مقاطعة إسرائيل من خلال الجامعة العربية ومكاتب المقاطعة ليس أكثر من حديث للاستهلاك المحلي.. لا يصدقه أحد.. أو أنه مجرد أداء عمل لمجرد الاعتياد عليه بدافع القصور الذاتي.. إسرائيل الآن في قلب أفريقيا وفي قلب آسيا.. وتتعامل مع أكبر الشركات في العالم.. ووجودها قائم في كل بقعة عربية.. سواء أكان هذا الوجود معلناً أو غير معلن.. وهي الآن تستعد لغزو الأراضي السورية وسط صمت عربي مريب.
الحديث عن المقاطعة الذي له مصداقية حقاً هو ما يصدر عن بعض الجهات والجامعات والمؤسسات الأوروبية والأمريكية عن مقاطعة بعض المنتجات الآتية من مستوطنات إسرائيلية في الأراضي المحتلة. تعتبرها هذه الجهات غير شرعية.. وهذه المقاطعة تقوم علي أسس إنسانية بحتة. وليست سياسية.. ولا علاقة لها بمكاتب المقاطعة التابعة للجامعة العربية.. بكل ما فيها من موظفين ومديرين وضباط اتصال.
للأسف الشديد.. نحن لم نعد نهتم بمقاطعة إسرائيل.. ولم نعد نهتم باعتبار إسرائيل العدو الأكبر.. المقاطعة الحقيقية صارت بين الدول العربية.. صارت عداوتنا لبعضنا البعض أهم وأخطر من عداوتنا لإسرائيل.. مع أقل خلاف سياسي بين دولتين يتحول هذا الخلاف إلي صراع ثم إلي حرب ومقاطعة.. وصارت إسرائيل أقرب إلي كل دولة عربية من جارتها.
نستطيع أن نتفاهم مع إسرائيل رغم التناقضات القائمة.. لكننا لا نستطيع أن نتفاهم فيما بيننا إلا بلغة الصراع.. ومن ليس معنا. فهو ضدنا.
لذلك.. أرجو ألا تتحدثوا عن مقاطعة إسرائيل.. فقط تحدثوا عن كيفية تفكيك المقاطعات العربية.