الوطن
د. محمود خليل
لا يليق..!
فى مشهد مثير ببرنامج «العاشرة مساء» الذى يقدمه الإعلامى وائل الإبراشى، تواصل أحد المدرسين بكلية الآداب، جامعة بنى سويف، وهو فى الوقت نفسه المتحدث باسم ما يسمى النقابة المستقلة لأعضاء هيئة التدريس، مع وزير التعليم العالى الدكتور السيد عبدالخالق ضيف «الإبراشى» فى الحلقة. بدا الوزير غاضباً منذ اللحظة الأولى التى سمع فيها اسم صاحب المداخلة، وبعد حوار قصير بينهما، هاجم فيه الدكتور «عبدالخالق» المتصل هجوماً لفظياً حاداً، وصفه فيه بـ«السفيه» ونعته بترديد البذاءات، غادر الاستوديو على الهواء غاضباً! غضب الإنسان عندما يشعر أن أحداً يوجه نقداً إليه أمر إنسانى، لكنه يبدو غير موضوعى بالمرة إذا كان الشخص يقبع فى موقع مسئولية.
كان الأوجب على وزير التعليم أن يكظم غيظه، وأن يحتفظ بالهدوء وأعلى درجات الثبات الانفعالى وهو بصدد الاستماع إلى الرأى الآخر، من منطلقين أساسيين: أولهما ما ذكرته لك من أنه «مسئول» بالدولة، وبالتالى فعليه أن يستوعب رأى واحد من المسئول عنهم (الأستاذ الذى تداخل معه تليفونياً)، وثانيهما أن الرجل أستاذ جامعى لا بد أن يؤمن بالحوار وفكرة الرأى والرأى الآخر، خصوصاً أن الأستاذ الذى تواصل معه لم يخرج عن حدود اللياقة فى حدود ما سمعت. وأول الدروس التى يتعلمها كل من قطع حياته داخل أروقة الجامعة أن حرية الرأى والتفكير من القيم الأساسية التى تحكم العمل فى هذا المكان، وحتى لو كانت هذه القيمة قد تراجعت بعض الشىء، خلال العقود الأخيرة، فإنها تبقى واحدة من القيم الأساسية التى يتبلور حولها مفهوم العمل الجامعى.
لم تحتمل أعصاب وزير التعليم العالى الاستماع إلى رأى مخالف أو نقد يمكن أن يوجه إليه، فى حين أنه يسمع ويقرأ ويشاهد ما يوجه إلى رئيس الحكومة من انتقادات، ورغم ذلك فالرجل يحتمل، لأنه يفهم أن نقد الأداء أمر طبيعى لأى شخص يتبوأ موقع مسئولية، ولأنه لا معنى على وجه الإطلاق للتعامل مع فكرة «الحوار» بهذه الطريقة المنفعلة، لمجرد أن الطرف الذى يحاوره أسمعه كلاماً لا يرضيه. لقد رفض الوزير الحوار مع الأستاذ الذى تداخل معه منذ البداية واصفاً إياه بـ«السفيه»، طبقاً للفيديو المتداول على اليوتيوب، ولا خلاف على أن هذا السلوك لا يليق، فالذى كان يتحدث إليه أستاذ جامعى مثله، نعم الوزير هو الجالس على كرسى المسئولية، لكن ذلك لا يبرر له أن ينال الآخرين بالأذى اللفظى، بل إن موقع المسئولية يفرض عليه الاحتواء وليس الغضب أو الضجر ورفض الحوار بهذه الصورة. وحقيقة فإن الطريقة التى خرج بها من الاستديو لا تليق بإنسان فى مثل سنه أو وضعه.
لقد تطرق الوزير فى كلامه الغاضب إلى قانون تنظيم الجامعات، وهو أمر يخص كافة الأساتذة، ورفضه التحاور مع واحد منهم حول بعض البنود التى تم تسريبها من مسودته يعطى مؤشراً سلبياً حول فكرة إخضاع هذا القانون لحوار مجتمعى حقيقى، ويدلل على أن هناك من يريد فرضه دون حوار أو مناقشة على أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية. ولو يعلم السيد الوزير.. ليس ذلك بالأمر اليسير!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف