الوفد
عباس الطرابيلى
«الأهرام» والقناة.. والتوثيق!
هذا عمل لا يقدر عليه إلا الدولة.. وإلا مؤسسة كبرى قادرة على إتمام هذا العمل القومى، على خير وجه.
نقصد به توثيق حكاية قناة السويس ـ من الألف إلى الياء ـ أى منذ كانت فكرة، إلى أن خرجت للوجود من العصور الفرعونية.. والإسلامية وإلى العصر الحديث.. نقول ذلك لأننا لم نقم ـ كما يجب ـ بجمع القصة كاملة بين دفتى عمل تسجيلى توثيقى كامل.. وليس عندنا هذا العمل التوثيقى.. أو التخصص العلمى «البحثى» الذى نضعه بين أيدى الأجيال ليعرفوا الحقيقة كاملة.. قديمها ووسيطها.. ثم حديثها وبالذات منذ قرنين من الزمان، بداية من محاولات بونابرت ثم ما تم عرضه على محمد على باشا الكبير وتحفظاته عليها.. إلى أن بدأ التنفيذ على أيدى ولده ـ محمد سعيد باشا ـ ثم اكتمال العمل على يدى حفيده الخديو إسماعيل.
<< حقيقة معظم هذه المعلومات كانت فى خزائن الشركة من أيام دى ليسيبس، عندما كانت دولة داخل الدولة المصرية.. ولكننا لم نر عملاً توثيقياً كاملاً ومتكاملاً، حتى أيام تأميم هذه الشركة على أيدى جمال عبدالناصر.. ولم نر رسائل علمية: ماجستير ودكتوراه تتناول هذه القضية، كما يجب.. منذ فعل ذلك الدكتور مصطفى الحفناوى.
وهنا لا نتهم الدولة بالتقصير، رغم جهود الهيئة العامة للاستعلامات، ليس لأنها قدمت كتاباً ـ فى الأيام الأخيرة ـ ولكن لأنها لم تعرف كيف تخاطب الرأى العام العالمى، أو الإعلام الخارجى كما يجب، وهذا هو دورها الأهم وكأن كل المطلوب منها أن «تعد كتاباً» ورحم الله الدكتور عبدالقادر حاتم وأصابعه وأفكاره حول القناة والإعلام مازالت هى الأبرز.
<< إلى أن فاجأتنا مؤسسة الأهرام الصحفية برئاسة أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارتها بهذا العمل غير المسبوق وقدمت لنا ـ ولمصر وللعالم ـ قصة القناة التاريخ والمصير والوعد.. ليس بمجرد عمل توثيقى به بعض الصور النادرة.. ولكن لأنها استطاعت عبر «348» صفحة من القطع غير العادى، وغير التقليدى، وعلى ورق لم نتعود أن تطبع عليه هذه الكتب، أن تقدم لنا هذا العمل غير المسبوق.. بكل ما تملك من معلومات وأرشيف وصور ووثائق نادرة.. وكأنها أرادت أن تقدم للتاريخ ـ وقبلنا ـ هذه الوثيقة الحية، لتبقى حية فى الوجدان المصرى على مر القرون.
ويستطيع القارئ ـ والباحث ـ أن يجد بين دفتى هذا الكتاب الوثيقة كل ما يخص هذه القناة.. على شكل دائرة معارف تعود بنا إلى آلاف السنين، قبل أن تندثر هذه المعلومات، أو تذوب هذه الوثائق بفعل الزمن، وعدم الرعاية.
<< وأعترف وأنا باحث متعمق فى تاريخ قناة السويس أننى رأيت وثائق القناة ـ بين دفتى هذا العمل التوثيقى ـ لأول مرة من فرمان الامتياز الأول فى نوفمبر 1854 ثم الفرمان الثانى فى يناير 1856 وما تبعهما من اتفاقيات وبالذات اتفاقية أكتوبر 1888 الخاصة بضمان حرية الملاحة فى القناة، المعروفة باتفاقية القسطنطينية.. وإذا كانت هذه الوثائق قد كشفت فكرة القناة كاملة منذ فكر فيها ـ فى القرن 18 ـ هنرى دى سن سيمون المتوفى عام 1825.. ومنذ عرض تجار البندقية قبلها على سلطان مصر الغورى المملوكى خريطة توضح مشروع ربط البحرين الأحمر بالمتوسط
المهم أننا ـ ونحن نشكر مؤسسة الأهرام على هذا العمل التوثيقى الطيب ونشكر كل من ساهم فى إعداده وتقديمه، وتمويله.. لن ننسى دور الأهرام التوثيقى، خصوصاً تلك اللوحات الفنية النادرة التى رسمها الفنان العالمى إدوارد ريو سواء للحياة فى مدينة السويس ـ التى كانت صغيرة ـ والحياة على شواطئ البحيرات المرة وبدايات عبور السفن للقناة بمجرد افتتاحها للملاحة العالمية عام 1869 وحتى عيون موسى التى فجرتها عصا النبى موسى ليروى عطش اليهود الهاربين، من مصر!!
<< ويقف وراء هذا العمل الطيب مجموعة من المتخصصين بقيادة الأستاذ الكبير أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة الأهرام، وهم الدكتور عماد أبوغازى والدكتورة إيمان عامر والأستاذ أحمد السماحى، وكم نتمنى أن يتمكن «الأهرام» من حماية مابقى من أرشيف الصور النادرة والمعلومات المهمة لأنها من أغلى ما يمتلك الأهرام، عبر تاريخه الصحفى.
وكم نتمنى أن نرى ـ بهذه المناسبة ـ كتباً وثائقياً أخرى فى هذا المجال، وبهذه الجودة، حتى يعرف الجيل الحالى، والأجيال القادمة عظمة هذا العمل التاريخى الرائع المسمى: قناة السويس.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف