مؤمن الهباء
مأساة الحكومة الإليكترونية
هل لاحظت مثلي ان ملك الموت ينشط في مصر هذه الأيام؟!
أحباؤنا يغادرون بسرعة.. وأحيانا دون وداع.. يكاد الموت يحاصرنا من كل جانب ويختبيء في كل زاوية من حولنا.
ومن لم يمت بالإرهاب مات بمرض فتاك أو بإهمال طبي.. أو مات غرقا.. أو راح ضحية حوادث القطارات والطرق.. أو مات انتحارا بسبب ضيق الحياة عليه.. أو مات من الحر.. وقد بلغ عدد ضحايا الحر 110 أشخاص.. ثم من لم يمت بأي من هذه الأسباب مات في طابور استخراج شهادات الميلاد الإليكترونية أمام السجل المدني.
هل تتخيل هذا العبث؟!
استخراج شهادات الميلاد الإليكترونية صار أزمة الأزمات في بلادنا.. وغطت علي انقطاع الكهرباء وانفجار مواسير الصرف الصحي ومعارك تنشيط بطاقة التموين الذكية.. لأننا في موسم التقديم للمدارس والجامعات والحكومة تدرك جيدا ان شهادة الميلاد الإليكترونية مسوغ أساسي ضمن مسوغات التقديم.. ولهذا السبب سوف يزداد الطلب عليها من الملايين فوق معدلات الطلب العادية.
ولكن بدلا من ان تفكر الحكومة في طرق وأساليب تسهل علي المواطنين الحصول علي الشهادات الإليكترونية راحت تغلق المنافذ والأبواب بحيث لم يعد أمام المواطن غير الوقوف في طابور طويل وخانق أمام مبني السجل المدني وهو مبني غير إنساني في الغالب ويعمل في ظروف سيئة للغاية وعندما يتفاعل الزحام مع الحر ينشط ملك الموت ليؤدي واجبه.
قبل الأزمة.. كانت هناك منافذ عديدة في النقابات والأندية لاستخراج هذه الشهادات الإليكترونية لمساعدة السجل المدني والتيسير علي المواطنين الغلابة.. الذين كتب عليهم الشقاء في كل اتجاه يسيرون فيه.. لكن يبدو ان حكومتنا الإليكترونية عز عليها ان تمضي الحياة بلا أزمة.. فأغلقت هذه المنافذ.. وحصرت استخراج الشهادات في السجل المدني لا غير.
إذا سألت في مكاتب الخدمات الحكومية بالنقابات والأندية الرياضية الكبير عن شهادات الميلاد يأتيك الرد آسفا: نحن لا نستخرج شهادات الميلاد الإليكترونية الآن.. في إمكاننا أن نستخرج فقط بطاقات الرقم القومي.. سحبوا منا خدمة شهادات الميلاد حتي ينتهي موسم التقديم للمدارس والجامعات.
من الذي أمر بذلك؟!
لا نعرف!
العقل والمنطق يقولان انه عندما يشتد الطلب علي شيء ما ويتكاثر يتم زيادة المنافذ حتي لا نخلق مشكلة.. لا نكتفي بمنافذ النقابات والأندية الرياضية.. إنما يمكن تزويد أجهزة الكمبيوتر في المدارس والجامعات ببرامج استخراج هذه الشهادات.. خصوصا ان الأمر لن يتطلب أكثر من طابعة ألوان.. وتوصيل الجهاز بشبكة السجل المدني تخفيفا علي الطلاب وأولياء أمورهم.
وأكثر من ذلك.. يمكن أن يكون في كل وزارة أو هيئة أو مصلحة حكومية جهاز كمبيوتر لتيسير هذه الخدمات الحكومية علي العاملين فيها.. والمسألة في غاية البساطة.
في أوروبا والدول المتقدمة تتفنن الحكومات في البحث عن سبل التيسير علي المواطنين.. أما عندنا فالوضع كما تري.. حكومة تتفنن في التعقيد وخلق الأزمات.. حتي ينشط ملك الموت في هذه البيروقراطية القاتلة!!