أحمد سليمان
.. والحكومة أيضاً تعاني أزمة فكر
قلت في هذا المكان منذ أيام إن أزمة المؤسسات الصحفية القومية هي أزمة فكر وليست أزمة فلوس.. واليوم أؤكد أن أزمة الفكر أصبحت تطول كل أجهزة الدولة وعلي وجه الخصوص الحكومة بوزرائها ومحافظيها.
قانون الخدمة المدنية الجديد الذي صدر علي عجل ودون استشارة أو الاستماع إلي وجهات نظر الجهات التي سيطبق عليها يؤكد أننا نعاني أزمة فكر. فصدور القوانين بليل وبأيدي ترزية القوانين كان في عهود سابقة. ولم يعد مناسباً السماح بحدوث ذلك بعد ثورتين كان أهم أهدافهما العدالة الاجتماعية والقضاء علي الفساد.
إصرار الحكومة علي صدور القانون علي الرغم من الاعتراضات العديدة عليه يؤكد أنها مازالت تتعامل مع المواطنين بالفكر القديم الذي يرسخ لمبدأ أن الحكومة هي من تعرف مصلحة المواطن أكثر منه. ولذلك فعليه ــ المواطن ــ أن يقبل بكل ما يأتيه من الحكومة حامداً شاكراً جهودها في تحقيق مصلحته!!
وبعد تطبيق القانون الشهر الماضي واستلام الموظفين مرتباتهم واكتشاف مساوئ القانون ولجوئهم للصراخ وتهديدهم بالتصعيد. إلا أن الحكومة مازالت مصرة علي تطبيقه في تحد واضح ومستفز لمشاعر ملايين الموظفين في مصر. يحدث ذلك مع صدور إشارات من بعض المتخصصين بأن الأزمة سوف تزداد مع صرف مرتبات شهر أغسطس الحالي.
نقاط الضعف في القانون أصبح يعرفها الجميع. مثل تحكم قيادات العمل في مستقبل الموظف من حيث المكافأة والترقية أو العقاب والحرمان من المزايا. وانخفاض المرتبات بعد زيادة نسبة المخصوم منه من ضرائب وتأمينات ولجوء الحكومة لسد هذا العجز من موازنة الدولة. أضف لذلك إهدار مبدأ تكافؤ الفرص إذ يمنح القانون لرئيس العمل سلطة الموافقة علي تسوية حالة من يحصل علي مؤهل أثناء الخدمة أو يرفض.
نقاط الضعف كثيرة أخري تناولتها الصحف ووسائل الإعلام منذ الإعلان عن بدء تطبيق القانون. ولكن هذا كله لم يستوقف السيد رئيس الوزراء ولا وزراء المالية والتخطيط والتنمية الإدارية والقوي العاملة. وأصبحت الحالة الراهنة هي "رفض شعبي وإصرار حكومي". والكل ينتظر لمن ستكون الغلبة. وهذا موقف لم يكن يتوقعه أحد بعد أسبوعين فقط من الحالة المعنوية المرتفعة التي وصل إليها كل أفراد الشعب بافتتاح مشروع قناة السويس الجديدة ومرور السفن تلو الأخري في هذه القناة العملاقة التي أبهرت العالمين.
ما تفعله الحكومة الآن سيعيد الأمور إلي الخلف عشرات السنين. وأخشي أن يحتاج الأمر إلي تدخل السيد رئيس الجمهورية شخصياً بوقف تطبيق القانون وإعادته إلي المناقشة والاستماع لملاحظات الجهات المعنية المتضررة من تطبيقه. وتنفيذ الملاحظات والتعديلات الجوهرية عليه قبل أن يدخل حيز التنفيذ من جديد.
وبالمثل فإنه لا يمكن النظر إلي تصريحات السيد الدكتور حسام الدين إمام محافظ الدقهلية لأحد البرامج التليفزيونية إلا بالطريقة نفسها التي تؤكد أن الحكومة تعيش أزمة فكر.. قال السيد المحافظ "أنا لا أعمل عند المواطنين ولا أقبض مرتبي منهم".. حتي وإن تراجع عن هذه التصريحات بعد ذلك بضغوط من رئيس الوزراء.