خيرية البشلاوى
الإسفاف السينمائي وجمهور الفيلم
لن يغير أحوال صناعة السينما من الغرق في الإسفاف والنزعة الإستهلاكية المحرومة من أية قيمة فنية وموضوعية سوي الجمهور نفسه. المستهلك الأول والأخير للفيلم السينمائي.
ومنذ سنوات ليست قليلة والسينما عندنا في حالة هبوط!
النسبة الغالبة من إنتاجها أعمال تختزل الفن السينمائي في توليفة تتكرر في إطار حكايات تجمع بين المطرب البلدي زاعق الأداء والذي يراقص "أنثي" راقصة تجيد استخدام جسدها في توجيه دعوة سافرة إلي "الذكر" الذي بينما يراقصها يلاغيها بحركات ترد علي دعوتها. مع حوارات معبأة بالايحاءات التي تكرس المستوي المتدني للبيئة الترفيهية السائدة إضافة إلي افتعال اشتباكات عضلية توفر الفرصة لجرعة كبيرة من العنف الدموي المثير.
معظم الحكايات تحتفي بالجريمة بأنواعها وبالخروج علي القوانين وتأكيد أنماط البلطجة وفرض الممنوع وصناعة "أبطال" مشوهين ونماذج للبطولة وصور عن النشاطات الإجرامية في مجالات الجرائم المختلفة من مخدرات ودعارة وتجارة في الرقيق الأبيض الخ.
لن يغير أحوال صناعة الترفيه لو افترضنا أن وظيفة الفيلم تقتصر علي تحقيق هذا الاحتياج. وهي بالقطع لا تقف عند ذلك المطلب فقط أقول لن يغير هذا التدني والاختزال المخل لفن السينما ودور الفيلم ونوعية الترفيه سوي الجمهور دافع التذكرة فهو وحده الذي يوفر العائد المطلوب من هذه التجارة.
ولكن أحوال الجمهور نفسه لن تتغير الا بتغيير أمور أخري علي درجة من الأهمية. ومنها "الإعلام" باعتبار أن السينما والفيلم من أشكال التواصل الجماهيرية القوية و"الاعلام" كما نلاحظ يدعم هذا النوع من الترفيه بقوة من خلال البرامج واللقاءات المقروءة والمرئية مع صناع هذا الانتاج وعبر الاحتفاء بنجومه وأفلامه لان الإعلام نفسه صناعة يهيمن عليها رأس المال الذي يسعي إلي الربح. وإلي تحقيق أعلي نسبة مشاهدة. ولا يعنيه أو ربما يعنيه ان يلعب الدور الترفيهي السلبي الذي تلعبه السينما بغض النظر عن كيفية ومضمون هذا الدور.. وبغض النظر عن حجم التشوهات التي تروج لها الشاشة عبر النماذج التي تقدمها و"الابطال" الفاسدين الذين تحتفي بهم وتعاملهم باحترام كنجوم يستحقون تسليط الضوء عليهم من دون احساس بالمسئولية الاجتماعية الضرورية لأي وسيط إعلامي.
وجمهور السينما الذي يتكون معظمه من الشباب في حاجة إلي اهتمام ورعاية وشعور من قبل الدولة بالمسؤلية إزاءهم ولن يختلف هذا الجمهور الا اذا تطور مستوي التعليم ومستوي الاداء الحكومي في تقديم الخدمات وتحسن المستوي الاقتصادي للأسرة. وتراجعت نسبة البطالة ونسبة الأمية بين الاناث خصوصا اللائي يقمن باعداد الأجيال في سنوات التكوين الأولي حين يصبحن أمهات.
"الجمهور" كلمة مىركبة جداً وتربية "الجمهور" صعبة ولاتتحقق عفويا والمنتج السينمائي الذي يُمول الأفلام يعرف "الذوق" الهابط ويتكئ عليه ويكرسه ويختار ما يشبعه ويرضيه مقابل ما يدفعه.. ولديه مثل كل التجار قرون استشعار حساسة وسوف يظل يقدم السلعة بنفس المواصفات طالما تحقق الرضا "الزبون".
و"الجمهور" ليس كيانا واحدا ولا كتلة صماء بمواصفات ثابتة. هناك شرائح ترفض هذه النوعية المسمومة من الترفيه. وتدرك ضررها علي الشباب وتعرف ان المجتمع لم يكن بهذا المستوي من التدني الذوقي والأخلاقي والقيمي حين كانت صناعة السينما تنتج أعمالا يصل تأثيرها الايجابي الي محيطها الأقليمي والي كل المتحدثين بالعربية في العالم. الانحطاط بسبب سنوات "التجريف" الطويلة تجذر وانبت وطغي بانتاجه الردئ.
الجمهور والشاشة عنصران في معادلة واحدة ولن تختلف نتيجة التفاعل الا باختلاف أحدهما.. والعمل السينمائي الجيد الذي يظهر من حين إلي آخر وسط الاعمال الرديئة الغالبة يستدعي جمهوره الذي مازال لا يشكل الاغلبية وسط الجمهور المعتاد للفيلم السينمائي.
والمفارقة ان نسبة كبيرة جدا من الشعب العربي ترفض الانتاج الردئ والمسف ولكنها تضم شريحة الشباب الذي يشاهد السينما في دور العرض.