الوطن
د. محمود خليل
أزمة «الشيخ» أم أزمة مجتمع؟!
الكرة حذاء.. كان المرحوم محمد لطيف يقول «الكورة أجوان»، لكن «الحذاء» هو الأصل، لأنه أداة التهديف.. زمان كان هناك أوبريت فى فيلم «لحن حبى» للمبدع فريد الأطرش يحكى قصة الأمير الذى يبحث عن سندريلا من خلال «فردة جزمة»، فأوكل إلى أحد رجال بلاطه القيام بتلك المهمة، فظل يبحث عن صاحبة الحذاء، ولما تعب من البحث قال هذه الجملة الظريفة: «فردة جزمة.. تعمل أزمة.. من غير لازمة؟». كرة القدم لعبة شعبية يعشقها الكثيرون، لكننى شخصياً لم أعد أتابعها، فمنذ مذبحة ألتراس النادى الأهلى باستاد بورسعيد 2011، لم أعد أفهم أى معنى لمتابعة ماتشات الكرة، بعد أن أصبحت المدرجات مسرحاً لتصفية الحسابات السياسية، لكننى بالطبع لا أعتب على غيرى حين يتابع، فكل إنسان حر فيما يفعل. إننى أتعجب فقط حينما أجد بعضهم يتساءل عن تردى أحوال البلاد والعباد فى مصر، دون أن يفهم أن اهتمامه بالكرة، وانغماسه الشديد فى أحداثها وأزماتها، يعد عاملاً من العوامل التى تفسر تلك الأحوال المتردية.
جرب بنفسك، وسل عينة ممن حولك عن أزمة «أحمد الشيخ»، وسوف يحكى لك تفاصيلها والصراع الحادث بين الأهلى والزمالك على ضم اللاعب إلى صفوفه، لك بعد ذلك أن تسأل من تشاء من أفراد هذه العينة عن أى حدث سياسى أو اقتصادى أو تعليمى وخلافه، وأتوقع أنك لن تحصل فى الأغلب على تفاصيل شافية ووافية كتلك التى حصلت عليها فى الإجابة المتعلقة بأزمة «أحمد الشيخ». هذه الحالة ترتبط بالطبع بأداء إعلامى أصبح يتفنن فى شرح تفاصيل التفاصيل، ليس فى أزمة لاعب، بل فى فرصة ضائعة فى مباراة، ولعلك تلاحظ أن المباراة التى تستغرق ساعة ونصف الساعة، يستهلك فى تحليلها وتفنيد أحداثها عشرات الساعات على يد جهابذة التحليل، وظنى أننا لو كنا نناقش مشكلاتنا السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، بنفس الدرجة من الدقة والتفصيل والاهتمام لعشنا حالاً غير الحال.
لا أستطيع أن ألوم فى هذا السياق المحللين والمعلقين المستفيدين من «سبوبة التحليل»، إننى حتى لا ألومهم على موقفهم من ثورة يناير، واصطفافهم ضدها، لأننى أتفهم أن القيم الجديدة التى أفرزتها كانت ستؤذيهم فى «لقمة عيشهم»، بعد أن أصبح للشأن السياسى أولوية على الشأن الكروى، اللوم الحقيقى يقع على الجمهور، فهو الذى يجعل للاعب الكرة وحكامها ومعلقيها ومحلليها وكافة أطرافها الأخرى ثمناً، بسبب فرط اهتمامه بها، رغم أن فوز أو هزيمة الفريق الذى يناصره فى مباراة لن يحل أبسط مشاكله، ولو أنك سألته عن سر اهتمامه بالكرة، فسوف يجيبك: «بتلهينى عن مشاكلى»!. ومن العجيب أن تسمع بعضاً من هؤلاء -بعد ذلك- يحدثك باستغراب عن هذا اللاعب أو ذاك الذى يشتريه أحد النوادى بملايين الجنيهات، ويمسك بيديه عشرات الألوف فى أول كل شهر، وينال من الهدايا والعطايا ما ينوء بحمله «جمل المحامل».. لماذا تستغرب يا راجل يا دفيع؟!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف