يوسف القعيد
الإنجيليون والخطاب الديني
لا تسألوا من ليس في بيته دقيق. فإن عقله غائب. والثانية: حيث تكون مصالح الناس المشروعة
في الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية منتدي لحوار الثقافات. وبذلك سبقت الهيئة مثيلاتها في مصر في إقامة مثل هذا المنتدي وتفعيل دوره. تتولاه المهندسة سميرة لوقا. عقدت الهيئة مؤتمراً كان عنوانه: التحديات التي تواجه تجديد الخطاب الديني. علي مدي يومين.
هذه هي المرة الأولي التي أحضر فيها منتديات الحوار. وقد أعجبتني كثافة الحضور. وحرص من حضروا علي المشاركة في النقاش. بل وإصرارهم علي أن يقول كل منهم رأيه بحرية تامة. لم تكن هناك ممنوعات. ولا تابوهات. لا يقترب منها أحد. كما أن الحضور مثَّل المسلمين قبل المسيحيين. وصافحني عدد كبير عندما قدموا لي أنفسهم. عرفت أنهم جاءوا من كل محافظات مصر. أي أن الحضور مثلوا مصر الراهنة بشكل يوشك أن يقترب من المثال.
الجلسة الافتتاحية تحدثت فيها الدكتورة ميرفت أخنوخ. رئيس مجلس إدارة الهيئة الإنجيلية للخدمات الاجتماعية. والدكتور القس أندريه زكي. رئيس الطائفة الإنجيلية. علاوة علي أنه مدير الهيئة الاجتماعية. وفي كلمة أندريه زكي التي ارتجل معظمها. تحدث بشكل شديد الوعي لمشكلة الخطاب الديني في مجتمعنا المصري. وقدَّم رؤية شاملة ربطت الدين بالحياة. وجعلت منه - علاوة عبادة الخالق - محاولة لتنظيم شئون الحياة علي أساس يجمع بين الدين ومنطق الدنيا. وقدَّم في كلمته نقاط عشر تصلح أن تكون وصايا عشر لكي تخرج مشكلة الخطاب الديني من مأزقها الراهن. وقد اقترحت علي سميرة لوقا أن تطبع مناقشات الندوة. وأن تكون متاحة لمن يريد قراءتها.
الجلسة الأولي التي أدارتها الزميلة والصديقة نشوي الحوفي تحدث فيها القس رفعت فتحي. سكرتير سنودس النيل الإنجيلي. ولا يسألني أحد عن حكاية سنودس النيل الإنجيلي. فأنا لم أفهمها ولم أستوعبها. وفاتني أن أسأله عن معناها. وما دمت لا أعرف فلن أستطيع تقديم أي إجابة. وتحدث فيها الدكتور أسامة الأزهري مستشار السيد رئيس الجمهورية للشئون الدينية. هكذا قدموه في الندوة.
سبقتني نشوي الحوفي عندما طلبت من الحضور الدعاء لصديق العمر جمال الغيطاني. الذي يعاني من المرض في مستشفي الجلاء للقوات المسلحة بمصر الجديدة. وعندما جاء دوري في الكلام طلبت من الحاضرين الصلاة من أجل جمال دون استفاضة في حديث عن حالته الصحية. فالمهم الآن أن يعود لنا معافي كما كان قبل هذه المحنة الصحية التي أحلم وأتمني أن تكون طارئة. وأن يخرج منها مثلما خرج من محن صحية كثيرة مر بها.
جاء أسامة الأزهري من الإسكندرية لحضور الندوة مباشرة. وكان كلامه المختصر الذي ارتجله ولم يقرأ من أوراق أمامه يدور حول ربط الدين بالحياة. وأن الخطاب الديني لا ينظر إليه بمعزل عن خطابات الحياة الأخري.
عندما جاء دوري في الكلام بدأت بحكاية. قلت أن قرية طرسوس في سورية أطلقت علي مسجد في القرية اسم: مسجد السيدة مريم العذراء رضي الله عنها. وذكرت أن جريدة المقال التي أعتبرها من أهم الصحف المصرية الآن كانت قد تساءلت في أحد أعدادها: هل يمكن إطلاق اسم مريم العذراء علي مسجد من المساجد؟ وهكذا قدم الواقع إجابة علي سؤال الجريدة رغم بعد المكان والظروف الصعبة والعسيرة التي تمر بها سوريا الشقيقة.
ثم قلت إن الخطاب وهو من الكلمات التي أصبحت تتكرر بمناسبة وبدون مناسبة علي ألسنتنا. اعترفت أنني قرأت الكلمة في ترجمات الأشقاء المغاربة لنقاد البنياوية الفرنسيين. ثم وصلت إلينا بما يشبه العدوي. وكلمة الخطاب تعني أنه تمت دراسة أمر من الأمور. ووصلنا فيه إلي يقين ما ونتيجة مؤكدة. يمكن أن نطلق عليها الخطاب. أي أن الخطاب هو نهاية المطاف وليس بدايته. ولذلك علينا أن نتفق حول ما نريد قوله. ثم نصل إلي مرحلة الخطاب الديني الذي يصل إلي الناس.
ثم إن التعامل مع الخطاب الديني بمعزل عن خطابات الحياة الأخري خطأ. لأن لدينا خطابا ثقافيا وخطابا تعليميا وخطابا إعلاميا وخطابا اقتصاديا وخطابا للفقراء المطحونين الذين يعيشون تحت خط الفقر. ويجب أن نتعامل مع الخطاب الديني باعتباره جزءاً من هذه الخطابات. ثم ما كل هذا الكلام عن الخطابات في بلد يعاني من الأمية والاحتياج؟.
قلت إن إصلاح الخلل الاقتصادي يجب أن يسبق غيره مهما كانت الظروف. وذكرت عبارتين أحفظهما من التاريخ الاجتماعي للإسلام. الأولي: لا تسألوا من ليس في بيته دقيق. فإن عقله غائب. والثانية: حيث تكون مصالح الناس المشروعة يمكن شرع الله. وذلك هو المبدأ الذي يجب أن يتمثل فيه تجديد الخطاب الديني.
لا بد أن يبدأ الأمر من تجديد حياة الناس أولاً.