الوطن
محمد حبيب
كارثة أن يظل العقل مغيّباً طول الوقت
(١) عاشوا فى ضيق وضنك عقوداً طويلة.. لم تتوقف أنظمة الحكم يوماً -فى مختلف العهود- عن مطاردتهم وملاحقتهم والتضييق عليهم وسجن عشرات الألوف منهم. تعاطف معهم الشعب المصرى، لإحساسه بالظلم الواقع عليهم. كانوا غاية فى الرقة والسماحة واللين، شعارهم الذى رفعوه هو «الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة». كان لهم تاريخ أبيض ناصع فى مقاومة عصابات بنى صهيون التى تدفقت على أرض فلسطين فى الأربعينات من القرن الماضى، وأيضاً فى مقاومة المحتل الإنجليزى الغاصب الذى كان رابضاً على ضفاف القناة، والذى كان يتحكم فى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى مصر، فى ذات الوقت، كان لهم تاريخ أسود فاحم فى ارتكاب أعمال عنف واغتيالات، للدرجة التى دعت «البنا» لوصف من قام بها بأنهم «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين»، والحقيقة أن الرجل -كقيادة- فشل فى السيطرة على التنظيم الخاص الذى أنشأه، وعجز عن متابعته وضبط إيقاع حركته، بل فقد القدرة على محاسبة من انحرف به، وهكذا دائماً التنظيمات السرية التى تعمل فى أنفاق وسراديب بعيداً عن الأعين والملاحظة والمتابعة، حيث تكون الأخطاء والخطايا قاتلة، من الناحية الفكرية، يحتاج فكر الإخوان إلى مراجعات جادة، فهناك أخطاء لا يمكن السكوت عليها أو التغاضى عنها، خاصة فيما يتعلق بالوطنية والمواطنة، تعريف الجنسية، استخدام العنف، والديمقراطية، علاوة على ما أضافه «قطب» إليها كجاهلية المجتمعات، والحاكمية.. إلخ.

(٢) لم يتصور الإخوان يوماً أنهم سوف يصلون إلى سدة الحكم، بل إن بعضهم كان دائماً ما يروج لفكرة أن الجماعة منشغلة بالدعوة والتربية، وأن مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية ليست من أهدافهم، على الأقل فى المرحلة الحالية (كان ذلك قبل ثورة ٢٥ يناير مباشرة)، لذا، كان وصولهم إلى قمة هرم السلطة فى مصر، شيئاً فوق التصور والخيال، الأمر الذى أفقدهم عقولهم وصوابهم.. وقد لاحظنا على الكثيرين منهم غروراً وغطرسة وكبراً وتعالياً، بدلاً من الرقة والسماحة واللين التى كانوا يتحلون بها سابقاً. لم يصدقوا أنفسهم. أصابهم نوع من الهوس، والجنون، وعدم التوازن، وفقدان القدرة على الإدراك الصحيح. غابت عنهم حتى البديهيات البسيطة التى يدركها الأفراد العاديون. كانت تصرفاتهم أبعد ما تكون عن الرصانة. رأينا رئيساً يتفوه بألفاظ وعبارات هزلية، تثير الاستياء والاستهجان على المستوى العام من أمثال: «القرد لما يموت، القرداتى يشتغل إيه»؟، «والأصابع اللى بتلعب»، «والحارة المزنوقة»، و«دونت - مكس».. إلخ. كأنك أمام «مهرج» فى سيرك، يصلح أن يكون مسئول «غرزة» أو رئيس «عصابة»، لا رئيس دولة بوزن وحجم مصر.. بدا الحكم بالنسبة لهم وكأنه لعبة أرادوا الاستئثار بها والاستحواذ عليها، تماماً كالطفل الذى لا يحب أن يشاركه غيره فى لعبة، ربما لا تكون لعبته، حتى حزب النور الذى ساندهم وأيدهم فى انتخابات الرئاسة، خدعوه. لم يشعروا فى أى وقت بالمسئولية.

(٣) وبعد سلسلة من الإخفاقات، بدأ الشعب المصرى يشعر بالتململ، وأن الإخوان -لغفلتهم- كذبوا عليه وخدعوه، وأنهم لا يختلفون كثيراً عمن سبقهم، وبالتالى لن يستطيع إكمال مسيرته معهم. بدا البعض يطالب بنزول الجيش، لكن قيادته أبت ذلك، كان لا بد أن يثور الشعب أولاً، مع ذلك حاولت قيادة الجيش أن ترأب الصدع بين الشعب والقوى السياسية والإخوان، لكن قيادات الإخوان كانت تقف عقبة كأداء أمام أى وسيلة للحل. لم يدركوا أن ثمة ناراً تضطرم تحت الرماد، برغم أن وميضها ظاهر وجلى هؤلاء هم الإخوان، يغمضون أعينهم فلا يرون، ويصمون آذانهم فلا يسمعون. بدا الأمر وكأن غشاوة أسدلت ستائرها الكثيفة على عقولهم. مرة أخرى فقدوا الإدراك، وقامت ثورة ٣٠ يونيو، ثم الإطاحة بهم فى ٣ يوليو.. لم يكن هناك -كما العادة- عقل يفكر أو يتدبر أو حتى يتأمل، وذهب بهم الخبال والعته والجنون إلى التماهى مع تيار العنف والإرهاب فى عمليات الاغتيال والحرق والتخريب والتدمير.. وبلغ بالإخوان وأنصارهم البلاهة والخيانة -وهم فى اعتصام «رابعة»- أن كبروا وهللوا عندما قال أحدهم إن البوارج الحربية الأمريكية على مقربة من ميناء الإسكندرية، وإنها قد جاءت لدعمهم بالضغط على الجيش المصرى لإعادة مرسى إلى سدة الحكم، وبدلاً من أن يستثمروا كل الفرص التى أتيحت لهم، أضاعوها وقدموا شبابهم قرباناً رخيصاً لسلطة فشلوا فى إدارتها، واجتلبت غضب الشعب عليهم.. انتفى العقل وغاب الوعى، أى قيادة هذه، وأى أفراد هؤلاء؟

(٤) أعجب أشد العجب من أولئك الذين ارتموا فى أحضان أمريكا (وتوابعها: الاتحاد الأوروبى وتركيا وقطر)، وغفلوا عن حقيقة مهمة وهى أن هذه الدول لا تدعمهم ولا تمد لهم يد العون من أجل سواد عيونهم، لكن لتوظيفهم واستغلالهم لمصالحها، وهى بالطبع ضد مصالح بلادهم ومصالح العرب والمسلمين، يبدو أننا فى حاجة، لأن نذكرهم بالماضى القريب. إن الأمريكيين مجرمو حرب، يسعون إلى تفكيك المنطقة وتركيع الأمة واستنزاف ثرواتها ومواردها والقضاء على خصوصيتها الثقافية.. انظروا إلى مؤامرتهم الكبرى بشأن إغراء العراق لغزو الكويت، ثم إنشاء قوات التحالف لطرد القوات العراقية منها فيما عُرف بحرب «عاصفة الصحراء»، حتى يتحول الصراع من عربى/ إسرائيلى إلى عربى/ عربى، ولكى تتم لهم السيطرة والتحكم فى بترول الخليج. انظروا إلى ما فعلوا فى أفغانستان والعراق. انظروا إلى مواقفهم ودعمهم الكامل للعدو الصهيونى، على حساب الشعب الفلسطينى. نسى الإخوان وأنصارهم ذلك كله وذهبوا يستعدون الأمريكيين على بلادهم. هل يمكن أن يوصف هؤلاء بالعقلاء؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف