الجمهورية
عبد الرحمن فهمى
ذكريات .. الصحافة .. موهبة إلهية
ما دام العنوان الثابت لهذا العمود "ذكريات صحفية".. وإلحاقاً لما كتبته أمس عن نسف منزل مصطفي النحاس.. تذكرت ما هو أخطر.. حادث غيّر تاريخ مصر.. وهو حريق القاهرة.. ما ان بدأ الحريق باشعال النار في فندق شبرد القديم في شارع إبراهيم باشا "الجمهورية الآن"!! وكان أحد أهم وأجمل وأغلي فنادق العالم.. وأصبح واضحاً ان القاهرة تتعرض لمؤامرة ضخمة!!.. هنا اتصل المرحوم أحمد أبوالفتح رئيس تحرير جريدة "المصري" بكل كتاب الجريدة تليفونياً من الصباح الباكر يطلب من كل منهم ان ينزل إلي الشارع بأقصي سرعة ليرصد الأحداث كمحرر حوادث ثم يفكر فيما وراء هذا الحادث الضخم جداً الذي سيتحدث عنه العالم كله.. عاصمة مصر بكل ثقلها التاريخي والديني والحضاري تحترق عن بكرة أبيها.. كارثة.. كارثة عالمية وليست محلية فقط.
ظن كل كاتب وهم كبار كتاب مصر الذين لهم ثقل أدبي وصحفي وسياسي واجتماعي.. كل كاتب ظن بأن الجريدة تعتمد عليه هو وحده في "تغطية" هذا الحدث الضخم ويعلق عليه.. وبالفعل.. نزل أكثر من عشرة من خير كتاب ومفكري وأدباء مصر.. أذكر منهم في حدود ما أتذكرهم: عبدالرحمن الخميسي وعبدالمنعم الصاوي ويوسف إدريس ومحمود عبدالمنعم مراد وحسن فؤاد وعبدالرحمن الشرقاوي ولطفي الخولي وفهمي عبداللطيف ومحمد بك خالد وزكريا الحجاوي وسعد مكاوي.. كل هذه القمم كانوا محررين في الجريدة ومن خارج الجريدة جاءوا يكتبون أيضاً بعد ان هزهم الحدث الجلل مثل احسان عبدالقدوس وعزيز فهمي وفتحي الرملي وغيرهم.. تصور كل هؤلاء وربما آخرون لا أذكرهم وصفوا الحادث كما رآه كل منهم بطريقته وعلق عليه من وجهة نظره.. وهم "خليط" يمثل كل الاتجاهات.. منهم الشيوعي والاشتراكي والرأسمالي حتي النخاع ورجل الدين.. وأيضاً منهم الصحفي.. نعم الصحفي فقط الذي يقدس القلم الذي في يده ولا يذكر سوي الحقائق مجردة ويترك للقارئ الاستنتاج الذي يراه.. تماماً مثل الفرقة الموسيقية التي تضم العود في يد القصبجي والكمانجة في يد الحفناوي والقانون أمام عبده صالح وناي سيدنا داود في فم عفت والبيانو أمام عمر خيرت.. فرقة موسيقية من القمم تعزف بحرية وحب واتقان مع مايسترو يقدر فن كل منهم.. تصوروا جريدة تضم كل هؤلاء يكتبون عن حدث واحد.. لذا يتسابق الناس علي الشراء.. كل هذه الأسماء لم تعرف كلية إعلام ولا حتي قسم الصحافة في الجامعة الأمريكية ولكن القارئ يتمني ان يقرأ لهم.. الصحافة موهبة إلهية غير موجودة في الكتب.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف