الوطن
د. محمود خليل
بوابة إبليس (5)
أستطيع أن أتفهم رفض البعض لعبارة «صراع على السلطة» فى وصف الصراع الدائر فى مصر حالياً، وأستوعب إصرارهم على أنه صراع بين جماعة أرادت اختطاف وطن وتآمرت عليه، وجيش نفر للذود عنه، واستجاب قائده لنداء الملايين فترأس البلاد، هذا الكلام صحيح فى مجمله، لكن «إبليس» يسكن فى بعض تفاصيله.

أرادت «الإخوان» اختطاف الوطن لحساب جماعة بمجرد قبضها على السلطة، هذا أمر لا شك فيه، تماماً مثل وطنية الجيش المصرى التى تظهر عندما يحيق أى خطر بالبلاد، لكن طرف السلطة الآخر، والمتمثل فى نظام الحكم الحالى، يعاب عليه فكرة «التماهى مع المؤسسة»، وقد ارتبط هذا الأمر بالتمكين السياسى لقادة الجيش فى الكثير من المواقع بعد ثورة يوليو 1952، إلى الحد الذى تمدد فيه النفوذ العسكرى إلى المصانع والبنوك والجامعات والإعلام والمحافظات والوزارات وغيرها، ثم بدأت القوات المسلحة تدخل حقل الاقتصاد، ولست أقصد هنا الأنشطة التى تستهدف توفير احتياجات المؤسسة ذاتها، فهذا أمر مفهوم ومطلوب، لكننى أقصد النشاط الاقتصادى فى الحياة العامة، الذى توجد نماذج عديدة عليه تحيط بالمواطن فى الكثير من الأماكن التى يذهب إليها. وللإنصاف فليس للرئيس السيسى يد فى هذا التحول الذى ارتبط بفترات سابقة لحكمه، لكن تقديرى أن المواطنين يريدون أمارات وعلامات على توجه جديد للرئاسة يسير فى اتجاه تحييد القوات المسلحة، حتى تتمكن من الالتفات إلى أدوارها الأهم فى حماية الوطن، وحتى نتحرر من الفكرة المقابلة التى تتمثل فى «اختطاف دولة لحساب مؤسسة».

وقد عمد النظام الجديد إلى تنمية علاقاته مع اللاعبين الإقليميين الذين تخاصم معهم نظام الإخوان، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات، وخاصم الدول التى اتهم «مرسى» وجماعته بالتخابر معها، مثل تركيا وقطر، بالإضافة إلى منظمة «حماس». وهو توجه طبيعى لا خلاف على ذلك، لأن من الوارد أن يكون أى نظام جديد أكثر ميلاً إلى التعامل مع خصوم النظام السابق عليه، لكن هذا التوجه لا بد أن ينبهنا إلى أمرين: أولهما أن التعامل مع «خصوم الأسلاف» لا يعنى شيئاً سوى الاستقواء بهم فى الصراع على السلطة، ونبذ الأصدقاء يؤشر باستمرار إلى حالة رفض لما قد يظهرونه من دعم للنظام الذى تخلصوا منه. الأمر الثانى أن أى نظام لا يتوانى -فى الأغلب- عن الاستجابة لأية إشارات يبديها الخصوم الإقليميون للوصول إلى أرضية مصالحة، لأن فى ذلك ما يمنحه المزيد من القوة والقدرة فى رحلة تثبيت الأقدام على كراسى السلطة، وإضعاف الطرف الآخر الذى يصارعه عليها.

إننى أحيل من يرفضون عبارة «الصراع على السلطة» فى وصف ما يحدث فى مصر الآن إلى قراءة تاريخ الصراع بين جماعة الإخوان وثوار يوليو، لقد تشارك الطرفان فى القيام بالثورة، ثم طمعت «الإخوان» فى مساحة أكبر فى الحكم، وهو ما لم يرضَ عنه جمال عبدالناصر، وبدأ الصراع بين الطرفين يتصاعد، حتى كانت أحداث مارس 1954، وقد حسم «ناصر» الأمر لصالحه، ثم كانت الجولة التالية عام 1965 (جولة سيد قطب)، وحسمها «ناصر» أيضاً، ولو راجع أحد ما كان يتردد داخل وسائل الإعلام حينذاك فى وصف هذا الصراع فسيجد أنه كان صورة طِبق الأصل مما نسمعه اليوم، لكن المصيبة فى اختلاف السياقات التى تجعل صراع اليوم أشد خطورة وكارثية على مستقبل هذا الوطن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف