التحرير
ناصر عبد الحميد
مصر والسعودية.. تقارب متوازٍ مع المدار الروسي
استقرت العلاقات بين الدول على ثابت أنه لا ثوابت فى العلاقات بينها، والحكمة الشهيرة لصداقة عدو اليوم تنطبق كثيرًا على العلاقات بين الأفراد والدول على حد سواء.

فالسعودية ذهبت إلى روسيا وبدت فى الأفق بوادر تحسُّن تلوح، رغم سوابق عدم ثقة وشبه قطيعة دامت لسنوات طويلة، وحرب معلنة وغير معلنة ولكنها غير مباشرة على طول الخط بين الدولتَين تحمّلا تبعاتها، فبداية من دعم السعودية للمجاهدين فى أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتى فى ذلك الوقت، مصطفة إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية حليف السعودية الاستراتيجى، ونهاية بالمساهمة فى خفض سعر النفط بالدور الرئيسى الذى لعبته السعودية فى منظمة الأوبك للحفاظ على نفس معدلات الإنتاج، والذى كان مستهدفًا منه ضرب خصمَى السعودية وأمريكا اللدودَين أى روسيا وإيران.

ومن الناحية الأخرى، فعوامل عدم الثقة والخلاف الجذرى بل والعداء حاضرة وبقوة، خصوصًا بعد اشتعال الأزمة فى سوريا والحضور القوى لإيران المدعوم بالأساس من روسيا والتراص السياسى الروسى- الإيرانى، بالإضافة إلى حزب الله بخصوص رؤية إدارة الصراع الدائر فى المنطقة وإعادة ترتيبه، وهو المضاد تمامًا لما تريده المملكة العربية السعودية، بل والذى تراه المملكة خطرًا وجوديًّا عليها.

مبررات التقارب رغم عمق الخلاف

نحن هنا أمام خلاف أصيل سياسى بامتدادات عسكرية وبعمق اقتصادى بصيغة من الصعب إعادة كتابتها بعد زيارتَى وزير الخارجية السعودى ومحمد بن سلمان ولى ولى العهد، لكن بالقطع لها دلالاتها، ولكن لا يمكن أن نفصل هذا التقارب عن أسبابه، فالاتفاق النووى الأمريكى- الإيرانى والذى تم بعيدًا حتى عن إطلاع الحليف السعودى لأمريكا على تفاصيله قد أزعج السعودية جدًّا، فضلاً عن أن محاولات التطمين الأمريكية التى أعقبت توقيع الاتفاق مباشرة لم تفلح فى تهدئة جانب المملكة، وقد كان ذلك بعد خلاف كبير أو غضب سعودى من الولايات المتحدة بسبب موقفها من الحرب التى شنتها السعودية فى اليمن، فرغم أهمية هذه الحرب بالنسبة إلى السعودية فلم تجد من حليفها الكبير الدعم المتوقع.

ومن ناحية أخرى، فأى تقارب روسى- سعودى هو طعنة كبيرة فى عمق الحضور الأمريكى فى المنطقة بما يفرضه ذلك من ترتيبات، كما يمثل هذا التقارب دعمًا للاقتصاد الروسى الذى يعانى من أزمات كبيرة، خصوصا فى ظل الحصار المفروض من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وقد كان ذلك بارزا فى نوعية وعدد الاتفاقات التى تمت فى زيارة ولى ولى العهد السعودى، حيث تم توقيع اتفاقات عسكرية وفى مجال الطاقة والإسكان والطاقة النووية، واحتمالات أن تلعب السعودية دورًا فى كسر الحصار المفروض على روسيا عن طريق التوسط فى بعض الصفقات العسكرية القادمة من أوروبا والمتجهة إلى روسيا، وبالتالى فنحن أمام مشهد يعاد صياغته بهذا التحرك السعودى فى مواجهة التصرفات الأمريكية الأخيرة.

هل تستفيد مصر من التقارب الروسى- السعودى؟

استقبلت السعودية فى زيارة قريبة وفدًا من المكتب السياسى لـ«حماس»، وتماشى ذلك مع الحل الذى تتبناه السعودية فى سوريا ومع تقارب تركى لمحاولة خلق حائط صد فى مواجهة تزايد القوة الشيعية فى المنطقة، خصوصًا بعد الاتفاق النووى، وفى هذا الإطار فالرسائل القادمة إلى مصر هى سلبية بامتياز، فمصر ضد الحل السعودى فى سوريا على هيئته الحالية وضد التوجُّه السعودى بضم الإخوان المسلمين فى إطار تحايل كبير لمواجهة إيران، وبوادر هذا التوجُّه من السعودية تجاه مصر مصحوبة بتوتر ظاهر فى العلاقات ظهر بعد تولّى الملك سلمان، ولكن فى ظل هذا التقارب السعودى مع روسيا ومع وجود تقارب مصرى- روسى، فقد يفتح ذلك الباب أمام مصر لمحاولة الاستعانة بروسيا لتقريب وجهات النظر فى الملفات الخلافية مع مصر، خصوصًا قضية الإخوان المسلمين، والمحور السنى سياق التقارب المحتمل لوجهات النظر لترتيب الأوضاع فى سوريا، والذى تتبنى فيه مصر الحل القريب من الطرح الروسى.

وفى سياق آخر، فبإمكان مصر أن تساعد المملكة فى الضغط على روسيا بخصوص الوضع فى اليمن، حيث إن الموقف المصرى هناك متطابق مع السعودى وزيادة، فقد دعمت مصر «عاصفة الحزم» ولديها سبل قوية متصلة مع الحوثيين، وذلك يعنى ضغطًا روسيًّا على إيران للابتعاد عن ملف اليمن وتمكين السعودية من ترتيب الوضع السياسى فيها بما يضمن اسقرارها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف