أشرف الصباغ
مصر وروسيا:العقيدة الأمنية في مكافحة الإرهاب
من الصعب الآن الحكم بشكل واضح على مدى استراتيجية العلاقات بين مصر وروسيا، ولكن كل الشواهد تعكس إرادة سياسية من جانب الطرفَين فى توسيع وتعميق العلاقات على أكثر من مستوى وفى أكثر من مجال.
وتتسم العلاقات بين القاهرة وموسكو بالهدوء والتروى والحكمة والصمت، وهو ما يعمل على نجاح الكثير من جوانبها، وبالذات الأمنية والعسكرية. ويهمنا هنا مجال مكافحة الإرهاب الذى عانت منه روسيا بشكل مباشر، وعلى أراضيها بعكس دول أخرى، على مدار أكثر من ١٠ سنوات متواصلة.
فقد اختبرت روسيا مرحلتين رئيسيتين منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين، بدأت الأولى عقب تفكك الاتحاد السوفييتى، حيث عمّت الفوضى وظهرت الحركات الانفصالية، وبدأت الثانية مع مجىء فلاديمير بوتين إلى السلطة.
لقد لجأت موسكو إلى أسلوب العنف الشديد فى التعامل مع الحركات الانفصالية والجماعات الإرهابية، وهو ما أسهم فى تعقيد المشكلة، إذ تعاملت موسكو مع النتائج لا الأسباب، ولم تكن الإجراءات الوقائية كافية، وأثبت التجربة الروسية أنه من الصعب تفادى وقوع المزيد من العمليات الإرهابية، وبالتالى تمت مراجعة التجربة والعمل مع الأسباب لا النتائج.
وقد راعت موسكو عدة عوامل فى أثناء صياغتها استراتيجية مكافحة الإرهاب، من بينها ما هو مرتبط بطبيعة العمليات الإرهابية، حيث تعددت وتنوعت صورها من هجمات وعمليات انتحارية ضد المنشآت والمبانى السكنية والأماكن العامة، واختطاف الطائرات واحتجاز الرهائن، والتفجيرات فى محطات السكك الحديدية ومترو الأنفاق ووسائل النقل الأخرى، واغتيال المسؤولين الرسميين.
وكان هناك أيضًا ما هو مرتبط بخصائص مسرح العمليات فى المناطق الجبلية الوعرة التى تكثر فيها الغابات والمناطق المنعزلة التى يسهل الاختفاء فيها. أما العامل الثالث فكان مرتبطًا بتزايد المخاوف من المستقبل مع احتمالات نجاح الإرهابيين فى امتلاك أسلحة دمار شامل «نووى وكيماوى»، أو الحصول على المواد الإشعاعية والبيولوجية.
استراتيجية مكافحة الإرهاب
من هنا جاءت الاستراتيجية الروسية لمواجهة الإرهاب فى إطار استراتيجية شاملة للأمن القومى الروسى حتى عام ٢٠٢٠، حيث تضمنت الأساليب المختلفة لمكافحة الإرهاب الداخلى والدولى وَفق جملة من الإجراءات، أهمها تطوير الهيكل التنظيمى، وإتقان عمل أجهزة السلطة التنفيذية، وتطبيق الخطة الوطنية الخاصة بمكافحة الفساد، وتشكيل آليات الإنذار عن وقوع نزاعات اجتماعية وقومية وتحييدها، ووضع برنامج طويل الأمد الخاص بتطوير الشرطة والأجهزة الأمنية والنيابة العامة والقضاء، وتزويد القوات المسلحة بالأسلحة والمعدات الحديثة، وتعزيز نظام التشغيل الآمن لمؤسسات مجمع الصناعات الحربية وصناعة الطاقة الذرية والكيميائية، هذا إضافة إلى الحراسة الآمنة لحدود الدولة، وكذلك تطوير منظومة حكومية موحدة قادرة على الإنذار حين وقوع أحوال طارئة طبيعية وتقنية، وربطها بمنظومات مماثلة خارج البلاد.
الرئيس عبد الفتاح السيسى سيزور موسكو فى ٢٦ و٢٧ أغسطس الحالى، ولن ينفصل ملف الإرهاب عن بقية الملفات الإقليمية والدولية الأخرى «ليبيا وسوريا والعراق واليمن»، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب وتنامى نشاطات ونفوذ التنظيمات المسلحة، ولا شك أن مشاريع تنمية القناة وإقامة منطقة صناعية هناك، إضافة إلى بعض المشروعات الأخرى من بينها محطة الضبعة النووية، كلها مشروعات بحاجة إلى نوع من ضمان الأمن والاستقرار، وهو ما يتعلق بمكافحة الإرهاب بدرجات مختلفة.
قبيل هذه الزيارة سلمت روسيا سفينة الصواريخ «إر- ٣٢» لمصر، وهى السفينة المزودة بصواريخ «موسكيت» المضادة للسفن والأسرع من الصوت، وهى أيضًا إحدى السفن التى شاركت فى حفل افتتاح فرع قناة السويس فى ٦ أغسطس الحالى. كما يجرى الحديث الآن عن اقتراب موعد حصول مصر على ٤٦ مقاتلة روسية من طراز «ميج- ٢٩». إضافة إلى حديث آخر يدور حول شراء مصر مركبات بحرية غير مأهولة «روبوتات» لتعزيز قدرات القوات البحرية.
وقد أشارت صحيفة «فيدوموستى» الروسية، إلى أن القوات البحرية المصرية شهدت فى الآونة الأخيرة عملية واسعة من التطوير، أهمها شراء فرقاطة متقدمة جدًّا من فرنسا، وغواصات من ألمانيا، وسفن صواريخ سريعة من الولايات المتحدة، بما فى ذلك صواريخ سكود من طراز «هيربون»، كما تسعى مؤخرا إلى شراء حاملة مروحيات، لكن ما ينقص البحرية المصرية والتى لم تشتره حتى الآن هو المركبات البحرية غير المأهولة.
على هذه الخلفية الإيجابية، لا يمكن تجاهل المساعى المصرية– الروسية لتقديم مبدأ التسويات السياسية لأزمات المنطقة، مع الإصرار على مكافحة الإرهاب.
وتتسم الدبلوماسيتان المصرية والروسية بالصمت والتروى، والدراسة المتأنية للمشكلات والأزمات. وربما يكون التنسيق السياسى والدبلوماسى بين القاهرة وموسكو فى أزمات المنطقة والتوافق الكبير فى مسارات التسويات أحد أهم دعائم التقارب، ليس فقط بين مصر وروسيا بل بين روسيا والعديد من القوى الإقليمية الأخرى، وعلى رأسها الرياض التى نشطت فى الفترة الأخيرة فى اتجاه موسكو التى تتعامل ببرجماتية تامة مع دول المنطقة، ووفقا للمصالح والحدود الدنيا من الاتفاق، وتفضل التعامل فى نقاط التقاطع والتماس، مؤجلة نقاط الخلاف التى يمكن التطرق إليها بعد توسيع قاعدة الاتفاق، وهو ما يجرى فى العديد من القضايا والأزمات القائمة فى المنطقة.