لدىّ تسريب قديم وخطير، يوضِّح أسباب الحالة الصعبة التى تعيشها مصر.
التسريب منسوب إلى الرئيس مبارك، فى بدايات ظهور رغبة توريث الحكم عند نجله جمال، فقد ضغطت السيدة سوزان بكل قوة لتحقيق رغبة ابنها (التى صارت رغبتها المتسلطة)، أو كما يؤكد آخرون رغبة الأم (التى صارت رغبة الابن المتسلطة).
قيل إن «عائلة الإكسلانس» اجتمعت ذات مساء، وطلبت من الأب تعهدات واضحة بتوريث جمال، لكن الرئيس القادم من المؤسسة العسكرية كان يعرف صعوبة ذلك، وحاول إقناع الولد أن إدارة بلد فى حجم وظروف مصر مهمة صعبة جدا، ولا بد أن يصبر ويتعلم ويتدرَّب على الحكم قبل التفكير فى تحمّل مثل هذه المسؤولية الجسيمة.
يقول المقربون إن الولد غضب، وأخذ يدقّ الأرض بقدميه، وهو يكرر: ماليش دعوة.. يلّا ها؟ أنا عاوز أبقى رئيس.
فكَّر الرئيس بهدوء الطيَّار، وقال لابنه المدلل: ماتزعلش نفسك يا حبيبى، موافق بس بشرط، بكرة تدخل اختبار بسيط، لو نجحت فيه، مش هنستنى توريث ولا حاجة، هكتب لك البلد بيع وشرا على عينى، علشان ماحدش ينازعك. فى الغد اجتمعت العائلة انتظارًا لاختبار الوريث المحتمل، فرقع مبارك بإصبعه فدخل زكريا عزمى حاملا صندوقا متوسطا مكسوا بالقطيفة الحمراء والبيضاء والسوداء، نظر الرئيس إلى جمال وقال: مصر فى هذا الصندوق، وطالما أنتَ بعيد عن الحكم ستراها هكذا، مجرد صندوق لطيف يغرى الجميع، وعندما تتسلم الحكم فإنك لا بد أن تفتح هذا الصندوق لتحصل على ما فيه، وتسيطر على ما فيه أيضا.
امتعضت سوزان وعلقت بلهجة خشنة: إنت عاوز تعقد جيمى؟! إيه الكلام الصعب ده، ما توضّح الصندوق فيه إيه، وإنت عاوز من الولد إيه، علشان يعرف يتصرَّف؟ شخط مبارك فى زكريا: حُط الصندوق هنا، واخرج إنت.
ثم قال لسوزان: الصندوق فيه جوهرة و7 فئران، والمطلوب أن جمال يفتح هذا الصندوق ويقلبه على الأرض فى ميدان التحرير، ثم يعيد تعبئته بما فيه ويعيده إلى القصر كما أخذه، وإذا نجح فى ذلك من حقه أن يحكم مصر.
لم ينتظر جمال رد أمه، وهبّ واقفا وهو يُمسك الصندوق ويقول: بسيطة، شكرا يا دادى، كده أنا عرفت إنك بتحبنى، وعامل مسابقة أونطة زى الديمقراطية والانتخابات والحزب، علشان تثبت أمام الناس أحقيتى بالرئاسة.
لا شك أنكم تعرفون بقية التسريب، فقد عاد جمال بالجوهرة، لكن الفئران فرَّت بمجرد فتح الصندوق، ولم يستطِع الإمساك بها، رغم استعانته بقوات العادلى وخبراء أمانة السياسات وقيادات الحزب.
عادت العائلة تتهم مبارك بالخداع والمراوغة والجبن أمام رافضى التوريث، فلجأ إلى حيلة لا حلّ لها، واتهموه أنه نفسه لا يستطيع النجاح فى الاختبار.
ابتسم القائد، وقال سترون الحل، وفى الليل كمان!
اتجه الموكب إلى ميدان التحرير، نزل الجميع وعيونهم على الرئيس الذى أمسك بالصندوق، وقبل أن يفتحه بدأ يرجّه عدة مرات بشدة، ثم قلبه على الأرض، فسقطت الجوهرة وبجوارها الفئران غائبة عن الوعى، كالجثث من أثر «المخمضة»، فجمعها بهدوء فى الصندوق، وعاد إلى القصر كاشفا عن أهم دروس الحكم فى تعامل السلطة مع الشعب.
هل عرفتم سر الارتباك والتحرش والانقلابات وهوسة القوانين ولوثة الإعلام والصراخ المستمر، وحالنا اللى يوم فى العالى ويوم فى الواطى.
إنهم يهزّون الصندوق.
* المقال فانتازى، والتسريب مجرَّد نكتة أكثر واقعية من تصريحات كل السياسيين.