الوفد
عباس الطرابيلى
هموم مصرية .. الوفد.. يانحاس باشا
أنا وفدى الهوية.. نحاسى الهوى.. هكذا زرعت أمى فى عقيدتى منذ أوائل الأربعينيات إلى أن رحل عنا بجسده فى مثل هذه الأيام من نصف قرن.
ويوم أن رحل النحاس خرجت مصر ـ وكل الوفديين ـ يهتفون بإصرار ماتت الزعامة من بعدك.. يا نحاس. و«لا زعيم إلا النحاس» واهتزت دعائم الحكم الناصرى ـ من أساسها ـ من هذا الهدير الذى زلزل كيان السلطان ـ وهو فى عز مجده ـ ويومها قال عبدالناصر: هل بعد كل ما جرى للوفد وللوفديين.. مازال لهم صوت.. ومازال لهم نفس؟!
<< ولقد تعرض الوفد إلى هزات عنيفة ـ ورهيبة ـ على مدى تاريخه سواء فى عهد مؤسسة الأكبر سعد زغلول، أو طوال حياة خليفته مصطفى النحاس باشا، وتعرض الوفد الى انقسمات وانشقاقات عديدة.. خرج منه ـ وعليه ـ الكبار.. وأيضاً الصغار.. منهم من كان نجماً فى السماء.. ومنهم من كان حلقة من حلقات هذا النسيج العظيم.. ولكن رغم كل ذلك صمد الوفد وظل واقفاً على قدميه، حتى بعد أن خرج منه الكبار ـ أيام سعد باشا ـ وبعد أن خرج منه الكثيرون فى الثلاثينيات وفى الأربعينيات وأنشأ بعضهم أحزاباً منها الحزب السعدى.. وحزب الكتلة السعدية. ولكن ظل الوفد صامداً.. متماسكاً لأن الوفد عقيدة.. وروح. ومبدأ ولا يمكن أن يموت كل ذلك بسبب انشقاق هنا، أو تمزق هناك.
<< وحتى بعد أن ألغت ثورة يوليو 1952 الأحزاب السياسية يوم «18 يناير 1953» ظلت الوفدية والمبادئ الوفدية راسخة فى الوجدان المصرى.. وما أن عاد الوفد عام 1978 حتى انطلقت هذه المبادىء من الصدور، بل ورآه الشعب فرصة لعودة الحياة الديمقراطية من جديد.. وما الاستقبال الذى قوبل به قادة الوفد يتقدمهم فؤاد باشا سراج الدين وإبراهيم باشا فرج وعبدالفتاح حسن ود. وحيد رأفت سواء فى خطابه بنقابة المحامين، أو فى السعيدية إلا تأكيد على حنين الشعب لهذا الحزب الذى قاد النضال المصرى منذ عام 1918. وهذا الحنين، وذلك الاستقبال إلا حنين لعصر عظيم من النضال الوطنى.
<< وانزعج السلطان أنور السادات من هذه العودة الشعبية للوفد فى السبعينيات.. كما انزعج السلطان جمال عبدالناصر فى الستينيات عندما رأى الإقبال الشعبى على الوفد ومبادئه يوم رحيل النحاس باشا.
وانزعج السلطان حسنى مبارك عندما نجح الوفد فى انتخابات برلمان 1984.. عندما عاد قبلها بشهور.. وحصل الوفديون على هذا العدد الكبير من مقاعد البرلمان.. وانزعج ـ أيضاً ـ بصدور جريدة الوفد عام 1984 ـ فى مارس ـ كأول صحيفة وفدية فى العصر الحديث ثم صدرت كأول صحيفة معارضة يومية ـ فى مصر ـ أيضاً فى مارس 1987، وضربت «الحزب والصحيفة» حزب السلطان وصحف السلطان ضربات موجعة.. أعادت للذاكرة الوطنية مبادئ الوفد وعقيدته.. وليبراليته.
<< وبسبب هذه الضربات الوفدية الموجعة كانت من أهم معارك السلطان ـ مع تغيير اسمه ـ ضد الوفد.. محاولين ضربه من جديد.
<< الآن.. يعيش الوفد واحدة من أيامه المؤلمة.. وهو يرى من الأسرة الوفدية من اختار معركته فى توقيت غير مناسب سواء للإصلاح.. أو للدفاع عن تلك المبادئ العريقة.. وكلاهما من صميم الأسرة الوفدية ـ ولا أحد ينكر ذلك أبداً.. ولكن هل هذا هو وقت هذه المعارك.. أى بينما مصر كلها والوفد فى القلب ـ يعيشون أجواء أكبر معركة سياسية ـ برلمانية بعد أعظم ثورتين عاشتهما مصر ـ منذ ثورة 19 ـ هما ثورة 25 يناير وثورة 30 يونية ـ أى أن مصر تحاول الآن الخروج من لحظة المخاض، لحظة الميلاد الجديد.. لكى تولد من رحم كل ذلك مصر الحديثة.
ومع هذا التعدد الحزبى الذى أراه كارثى لوجود أكثر من 100 حزب على الساحة كنا نتصور أن يقود الوفد بكل مبادئه وريادته هذا الحدث العظيم، للميلاد الذى هو حلم كل المصريين.. أن يقود الوفد تلك المعركة الديمقراطية بوصفه الحزب الأكثر ليبرالية وديمقراطية.
<< ولكننا ـ نحن كل الوفديين ـ نتمنى ولو مؤقتاً عودة الوئام بين الأسرة الوفدية، التى دائماً ما كانت تضحى، وأن ننطلق معاً ـ نحن كل الوفديين ـ المعركة الحالية لنعبر بمصر.. وبالوفد كل هذه العقبات.
وهل نقول: ما أشبه الوفد بالبارحة.. بما عاشه الوفد من انقسمات من أيام المنشئ الأول سعد باشا وأيام زعيمه الجليل النحاس باشا.. وأيضاً أيام منشئه وزعيمه الثالث سراج الدين.
<< وأسأل هنا: هل يسمح الوفديون، المتنازعون بإعلان وفاة الوفد: العقيدة والمبدأ.. والإيمان.
إن الوفد هو لكل المصريين من يوم ان كانت مصر كلها أمة وفدية.. ومن أجل ذلك ونحن نعيش أجواء ذكرى رحيل النحاس باشا فى مثل هذه الأيام من أغسطس 1965.
نستصرخ كل الوفديين، مهما اختلفوا، بل وان نهتف من أعماقنا «أغثنا.. يانحاس باشا» وأنقذ وفدك يا نحاس حتى لا نخسر عقيدتنا.. الى الأبد.. ولن يكون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف