المساء
مؤمن الهباء
العلامة .. كمال بشر
رحم الله الفنانة القديرة فاتن حمامة.. ورحم الله النجمين الرائعين عمر الشريف ونور الشريف.. ورحم الله أيضا العلامة الجليل الدكتور كمال بشر نائب رئيس مجمع اللغة العربية ورئيس جمعية حماة اللغة العربية.. الذي وافته المنية في الثامن من أغسطس الجاري عن عمر يناهز 94 عاماً.. لكنه لم ينل حقه من التبجيل والتكريم حياً وميتاً.. ربما لجهلنا العام بأهمية اللغة وعلمائها.. وربما بفعل الأضواء الشديدة التي سلطت علي النجوم وانحسرت عن عالم بهذه القامة العالية.
نحن لم نكتف بالسخرية من اللغة العربية في الأفلام والمسلسلات.. لكننا أمعنا في السخرية من علماء اللغة.. والتعتيم عليهم أحياء.. وعندما يرحلون عنا لايكاد يذكرهم أحد.. اللهم إلا ما ينشر عنهم في بعض زوايا الصحف علي استحياء من معلومات هي أقرب إلي لغة النعي الرسمي.
إذا أردت أن تعرف قيمة العلماء عندنا فليس عليك إلا أن تراجع اهتمام الصحف والقنوات الفضائية بنجوم الفن الذين رحلوا.. وهم يستحقون هذا الاهتمام.. وتقارنه بالصمت المريب الذي فرض علي سيرة الدكتور العلامة كمال بشر أحد أهم علماء اللغة الموسوعيين في القرن العشرين وأوائل الألفية الثالثة.. ولم يقتصر عطاؤه العلمي علي مصر وحدها بل امتد إلي معظم الدول العربية.
في العدد الصادر يوم 9 أغسطس الجاري نشرت صحيفة "أخبار الأدب" قصيدة مطولة بعنوان "في جنازة عمر الشريف" للشاعر محمد حلمي السلاب.. لكنها ـ رغم تخصصها الأدبي ـ لم تذكر كلمة واحدة عن الدكتور كمال بشر.. وهو الشيء نفسه الذي استمر في العدد التالي الصادر يوم الأحد 61 أغسطس.. الأمر الذي يثير الحسرة بقدر ما يثير الريبة.
كان الدكتور كمال بشر عالماً زاهداً متصوفاً.. تفرغ لعلوم اللغة التي عشقها ووهب حياته لخدمتها.. إدراكاً بأن اللغة هي الهوية التي يجب أن تصان.. رغم كل المؤامرات التي تعرض لها حتي ممن أحسن إليهم وفتح أمامهم أبواب العلم والشهرة.. إلا أنه ظل كبيراً مترفعاً لا يضمر شراً لأحد.
ولد الدكتور كمال محمد بشر بإحدي قري كفر الشيخ عام ..1921 حفظ القرآن الكريم وجوده في كتاب القرية.. وتنقل بين المعاهد الأزهرية إلي أن دخل كلية دار العلوم جامعة القاهرة ونال منها درجة الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية بتقدير امتياز وكان أول دفعته عام .1946
ثم أرسل في بعثة علمية إلي جامعة لندن فحصل منها علي الماجستير في علم اللغة المقارن عام ..1953 ثم علي الدكتوراه في علم اللغة والأصوات عام ..1956 وبعد عودته تدرج في مراتب التعليم الجامعي.. فعين مدرساً بقسم اللغة بدار العلوم عام 1956 ثم أستاذاً مساعداً ثم أستاذاً.. وفي عام 1969 عين رئيساً لقسم علم اللغة والدراسات السامية والشرقية بكلية دار العلوم.. ثم وكيلاً للكلية.. ثم عميداً لها بين عامي 1973 ـ ..1975 ثم أستاذا متفرغاً من .1978
ورغم المناصب الكثيرة التي شغلها والمواقع العديدة التي تولاها.. إلا أن جل اهتمامه انصب علي التدريس والتأليف في علم اللغة الحديث الذي عمل علي نشره في الجامعات والمعاهد المصرية والعربية.. فقد نهض بتدريسه في جامعة الملك سعود وبكلية التربية والدراسات الإنسانية بقطر وبكلية الآداب بالإمارات وجامعة الكويت ومعهد بورقيبة للغات بتونس.. إلي جانب تدريسه بكليات :دار العلوم والآداب والإعلام وكلية البنات والألسن ومعهد البحوث والدراسات العربية بمعهد الفنون المسرحية وبمعهد الدراسات والبحوث الأفريقية.
وبالتوازي مع هذا التراث العلمي الكبير.. قدم د.كمال بشر القدوة الحسنة في مسيرته العلمية والعملية.. وكان نعم الرائد ونعم الأستاذ لأجيال ممتدة من علماء اللغة العربية ومحبيها.
رحم الله العلامة الجليل.. ومنحنا القدرة والبصيرة لكي نعطي كل ذي حق حقه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف