سليمان جودة
حتى لا تهدم «الأوقاف » ما تبنيه «الإفتاء !»
الكلام الذى قاله الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، فى المؤتمر الدولى للإفتاء، الذى انعقد بالقاهرة قبل أيام، كلام مهم، عن الفتوى، وعن أصولها، وعن مصادرها التى يجب أن يأخذ منها الناس، حتى لا تختلط عليهم أمورهم فى الحياة.
كلام مفتى الديار المصرية، كلام مهم مرة أخرى، وكلام لابد أن نتوقف عنده، وأن نتأمل معانيه.. غير أننا ونحن نفعل ذلك، لا نستطيع أن ننسى، ما حدث قبل نحو أسبوعين، عندما أفتى الشيخ برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، بأن عائد شهادات استثمار القناة حرام!
إن كثيرين، ممن تسابقوا على منافذ البيع، يوم بيع الشهادات، منذ عام، قد صدمتهم فتوى الشيخ برهامى، ربما كما لم يصدمهم شىء مثلها من قبل، وكانت أسباب صدمتهم كثيرة، ولم يكن أول الأسباب أنها جاءت فى أجواء الاحتفال بافتتاح القناة، ولا كان ثانى الأسباب أن المصريين الذين ساهموا بأموالهم، يوم بيع الشهادات وطرحها فى البنوك، كانوا قد فعلوا ذلك، بدافع وطنى خالص، ومجرد فى الغالب، ولم يكونوا ينتظرون يومها، ولا بعدها، عائد هذه الشهادات، الذى يفوق عائد غيرها.
لم يكونوا ينتظرون ذلك، وكان دليل هذا البُعد الوطنى المجرد من جانبهم فى المسألة، أن الذين اصطفوا طوابير أمام البنوك، أيام بيع الشهادات، لم يفعلوا ذلك، فى أيام صرف العائد، التى جرى الإعلان عنها قبلها.
يأتى الشيخ برهامى، بعد هذا كله، ليهيل ترابًا على الموضوع، مرتين: مرة عندما يقول كلامًا مسيئًا كالذى قاله، ومرة أخرى عندما يُفتى بينما هو فى الأصل، ليس من أهل فتوى الذين تؤخذ منهم الفتاوى الشرعية، فتكون فى محلها، وتكون، وهذا هو الأهم، من مصدرها الصحيح.
إننى أذكر، أن دار الإفتاء كانت قد أصدرت بيانًا، بعد فتوى برهامى بيومين، تقول فيه إن الشهادات لا شىء فيها، وأن عائدها لا شىء فيه، شرعًا، وأن على المشككين فى الشهادات وفى عائدها، أن يتوقفوا عن هذا النهج، وأن على الناس أن يأخذوا فتاواهم من أهل الاختصاص وحدهم!
وكان الواضح من البيان، أنه يرد بشكل غير مباشر، على فتوى برهامى، رغم أنه كبيان، لم يذكر اسمه، وإن كان قد راح يلمح إليه!
وإذا كان البيان فى حد ذاته، مهمًا، فالأهم منه أن تؤخذ القضية ككل، فى عمومها، وأن ينتهى المؤتمر الدولى للإفتاء، إلى ضوابط حازمة فيما يخص إفتاء الناس فى أمور الدين، وأن يكون ذلك مقترنًا بخطوات، وإجراءات، وأشياء عملية، يمكن بها ردع كل الذين لا يريدون أن يفهموا أن الإفتاء له ناسه، وأنه له أهله، وأن هؤلاء الناس، وهؤلاء الأهل، هم فقط الذين على كل مواطن أن يأخذ منهم فتواه.
ثم إن السؤال الأهم، يبقى على النحو الآتى: كيف يكون هذا هو فكر الشيخ برهامى، ثم نسمح له بفكر كهذا، أن يصعد المنبر خطيبًا، وأن يخطب فى المصلين؟!
إن تصريح الخطابة يصدر عن وزارة الأوقاف، ولا يمكن أن نتخيل، أن تكون «الأوقاف» فى ناحية، ثم تكون دار الإفتاء فى ناحية أخرى، إلى هذا الحد.. وإلا.. فإن ما تبنيه الإفتاء، من خلال مؤتمرها الأخير على الأقل، سوف تهدمه الوزارة، إذا ما منحت برهامى وغيره، تصاريح بالخطابة، بينما هم ليسوا أهل خطابة فى الملايين الذين يقصدون المساجد، كل يوم جمعة!
وإذا كنا لا نجادل فى أن الهدف بالنسبة للأزهر، وللأوقاف، ولدار الإفتاء، هدف واحد، فالتنسيق الكامل بين هذه المؤسسات الدينية الكبيرة الثلاث، ضرورى للغاية، بحيث تكون كل مؤسسة منها، ذاهبة إلى الهدف ذاته، التى تذهب إليه المؤسستان الأخريان، حتى لا تكتشف كل واحدة منها، ثم نكتشف نحن معها، أن ما تفعله كل مؤسسة من المؤسسات الثلاث، يتبدد أثره، بفعل عدم التنسيق الواجب بينها.
لا بديل عن أن تكون المؤسسات الثلاث، يدًا واحدة بكل معنى الكلمة، طريقًا.. وهدفًا!