خالد عكاشة
خطة إخوان ليبيا للضغط على الغرب بإستخدام داعش
> إشارة وزير الخارجية الليبى لمشاركة بلاده فى القوة العربية المشتركة يشير إلى «عاصفة حزم» جديدة لدعم ليبيا
> «ميليشيات مصراتة» المدعومة من تركيا تلتزم الصمت تجاه مذابح داعش فى «سرت»
> شكوك تجاه دعم «ميليشيات فجر ليبيا» لـ«داعش» بعد فشل «المؤتمر الوطنى» فى فرض شروطه فى جنيف
> المبعوث الأممى وعناصر الاستخبارات الغربية والدبلوماسيين الأجانب يفرضون شروطًا سرية على الحكومة المعترف بها وعلى رأسها إبعاد حفتر عن المشهد
الثلاثاء الماضى بالقاهرة أعلنت جامعة الدول العربية دعمها للحكومة الشرعية الليبية فى مواجهة تنظيم داعش، مطالبة بإرساء استراتيجية عسكرية جديدة فى هذا الشأن ورفع حظر السلاح عن الجيش الليبى الوطنى، البيان الصادر عن الاجتماع الطارئ للجامعة العربية الذى عقد بطلب ليبى رسمى على مستوى المندوبين، حث لجنة العقوبات بالأمم المتحدة على الاستجابة الفورية لمطالبات الحكومة الليبية الشرعية، ودعا البيان أيضًا الدول العربية مجتمعة أو فرادى على تقديم الدعم الكامل لليبيا، كما أشار إلى ضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2214، والذى يشمل بنودًا تطالب الأمم المتحدة بدعم ليبيا فى حربها ضد الإرهاب، الاجتماع أكد أيضا على أن الوقت قد حان لوضع استراتيجية عربية تضمن مساعدة ليبيا عسكريًا، مشيرًا إلى أن هذه المساعدة المشار إليها لا تتقاطع مع ضرورة التزام كل الأطراف الليبية بالحوار السياسى الذى يجرى تحت رعاية الأمم المتحدة.
وزير الخارجية الليبى كان الأصدق حديثًا، وهو يقول نصًا إن الكيل قد طفح فى بلاده، مشيرًا إلى أن الإرهاب منذ سنوات يضرب المدنيين والعسكريين فى البلاد التى تواجه حظرًا على تسليح الجيش الوطنى، وأشار إلى أن غض الطرف دوليًا عن مواجهة تمدد داعش فى ليبيا يهدد دول الجوار، ناهيك عن تقويض الأمن والسلم على الصعيدين الإقليمى والدولى، مصر الرسمية فى نفس الاجتماع اتفقت تمامًا مع طرح وزير الخارجية الليبى للموقف وزادت بأنها لا يمكن أن يكون هناك صمت عربى فى الوقت الذى تحارب دول العالم مجتمعة «داعش» فى العراق وسوريا، فى الوقت الذى تمتنع فيه عن مواجهة أحد أخطر فروعه على الأراضى الليبية بحجة البحث عن حل سياسى يضم كل الأطراف.
اجتماع عربى أولى ربما جاء متأخرًا كثيرًا، لكنه قد يكون فى إجماله قد استطاع أن يحرك مياه الأزمة الليبية الراكدة بفعل فاعل، فالمجتمع الدولى تجاهل تنامى التنظيمات الإرهابية المسلحة على الأراضى الليبية، وسحب المشهد إلى حوارات سياسية عقيمة تحت لافتة التوافق بين الأطراف، الجميع داخل جلسات الحوار وخارجه كانوا يعلمون أن الحسم المسلح على الأرض هو مفتاح الحل، وأن الجالسين أمام برناندينو ليون لا يملكون من أمرهم أو قرارهم شيئًا، فالأمر بيد قادة الميليشيات، لذلك بدا الجهد عبثيًا، وانصرف الاهتمام عن متابعة هذه الجولات التى بدت كنوع من استهلاك الوقت حتى يفرغ المجتمع الدولى من باقى ملفات الإقليم المشتعلة، لكن الأحداث على الأرض الليبية خاصة المسلحة منها لم تنتظر أحدًا يريد إضاعة الوقت فدخلت «داعش ليبيا» لتزيد المشهد تعقيدًا، وتهديدًا خاصة مع تمددها السريع فى فراغات الأرض والأمن والانشغال المبرمج لكل الأطراف.
شهدت مدينة « سرت « معارك عنيفة طوال الأسبوع الماضى، وهى ما كانت السبب المعلن فى طلب ليبيا عقد اجتماع الجامعة السالف ذكره حيث ارتكبت فيها مذابح ومجازر قتل وأصيب فيها العشرات، طرفا المعركة كانا مسلحين من المدينة تابعين لتنظيمات سلفية تنتمى للقاعدة وتنظيم داعش الليبى الذى يسيطر على المدينة تقريبًا منذ يونيو الماضى، بدأت المعارك الثلاثاء قبل الماضى عقب مقتل رجل من «قبيلة الفرجان» على يد داعش لرفضه إعلان ولائه للتنظيم، وردت القبيلة عبر التنظيمات السلفية المرتبطة بها وأيضًا بحث سكان المدينة على الثورة ضد داعش وقتلت قائدين فى التنظيم هما السعودى أبو حذيفة والمصرى أبو همام المصرى.
يمتلك التيار السلفى فى مدينة سرت حاضنة شعبية كثيفة تتركز فى الحى الشرقى رقم 3 وأغلب قاطنيه من قبيلة الفرجان، وشكل هذا التيار قلقًا كبيرًا لتنظيم داعش ومثل عائقًا وحيدًا له فى السيطرة الكاملة على مدينة سرت ومحيطها الاستراتيجى، سرت التى تقع فى المنتصف الليبى ما بين الجانبين المتحاربين فضلًا عن تمتعها باطلالة مميزة على الساحل ولديها ميناء مثلت لدى داعش مراهنة على الاستفادة من تلك الميزات النوعية، لذلك كثفت جهودها للسيطرة عليها، التنظيم بعد نفاد صبره قام بعملية الاغتيال، وكثف بعدها من وحشيته ضد المدينة حتى يتمكن من كسر أتباع التيار السلفى، وحتى تخلو له سرت تمامًا، لم يحسب التنظيم حجم الانتماء القبلى بقتله لهذا الرمز ولم يقدر الاحتقان والغضب العام الذى بدأ يسود لدى أهالى المدن الليبية أو الذى بدأت تغلى به التنظيمات المسلحة الأخرى من تنامى نفوذ التنظيم ومساحات سيطرته المتمددة.
انفجرت الأوضاع فى وجه داعش لتندلع اشتباكات مسلحة عنيفة بين التنظيم وأعضاء التيار السلفى ومعهم أفراد من قبيلة الفرجان، بجوار جامعة سرت وميناء سرت وفى بوابات تفتيش تابعة للتنظيم إلا أن التنظيم يملك ما لايملكه التيار السلفى وأهالى سرت من أسلحة ومعدات، هذا كان سببًا للجوء أهالى سرت إلى التمركز والتحصن فى الحى (رقم 3) مما أعطى للتنظيم الفرصة أن يضرب على الحى السكنى حصارًا ويلقى عليه بقذائفه النارية، الأهالى المحاصرين بداخل الحى لا يملكون سوى الرشاشات الآلية الخفيفة فى الوقت الذى كانت ترد لقوات التنظيم الإمدادات من الأسلحة والمقاتلين وهو ما مكنه سريعًا من السيطرة على الحى، ليقوم بعدها بالتنكيل بأهل سرت جميعا تنكيلًا وصل إلى حد المذابح ضد الأطفال والرجال والنساء حيث قتل العديد منهم دون تمييز فور دخوله للحى، وخلال تلك المذابح قام التنظيم بتفجير مستشفى سرت بمن فيه من مرضى وذويهم ومن نزح إليها للاختباء من المجزرة، لتتصاعد أرقام الضحايا المدنيين خلال أيام إلى أرقام عُدت بالمئات فى ساعات معدودة، وهو ما استدعى وصف رئيس الحكومة الليبية المؤقتة عبدالله الثنى ما تتعرض له مدينة سرت على أيدى داعش، بجرائم الإبادة وناشد المجتمع الدولى مساعدة ليبيا للتصدى للتنظيم.
شكوك كبيرة فى الداخل الليبى تتجه إلى «ميليشيا فجر ليبيا» التابعة للإخوان المسلمين بدعم داعش بعدما فشل المؤتمر الوطنى المنتهية ولايته فى تعطيل مسار الحوار وفرض شروطه فى جنيف، خاصة مع تلويح دول أوروبية بارزة بفرض عقوبات صارمة على الميليشيا التى تسيطر على العاصمة طرابلس ومن ورائها جماعة إخوان ليبيا، فطوال الوقت كانت «ميليشيات فجر ليبيا» تقدم نفسها بأنها هى الطرف الأقوى على الساحة الليبية القادرة على هزيمة داعش، وذلك لنيل الاعتراف الدولى، ولما فشلت فى ذلك أوقفت معاركها مع التنظيم، وانسحبت من مواقع كثيرة وأفسحت له المجال للتمدد والسيطرة دون مقاومة تذكر فى صورة توحى بأنها انسحابات تكتيكية منسقة مع تنظيم داعش، الحوار الوطنى رغم تخبطه الشديد وعبثيته إلا أن برنادينو ليون يهدف إلى أن ينتهى باتفاق شامل قبل أكتوبر المقبل، يلزم فيه مختلف الأطراف على المشاركة فى مواجهة المجموعات الإرهابية، وهى مرحلة تتهرب منها الميليشيات المسيطرة على طرابلس خوفًا من أن تكشف علاقتها بتوسع داعش سواء فى سرت أو فى بنغازى، ودورها فى تعطيل جهود الجيش الليبى فى الحرب على الإرهاب، لذلك تراهن الميليشيات المرتبطة بالإخوان على خلق فزاعة للدول الغربية المعنية بالملف الليبى من توسع داعش، وذلك من أجل أن تقبل بها شريكًا فى السلطة، وهى الآن تستعمل ورقة الضغط تلك لإفشال مسار الحوار الذى بدأ يعترف بالبرلمان المنافس فى طبرق مصدرًا وحيدًا لمراقبة الاتفاق النهائى والتصديق عليه.
المعارك الدائرة فى مدينة سرت الآن تفضح أطراف عديدة داخلية وخارجية وتسقط ورق التوت عن عوراتهم وخطاياهم بحق الوطن الليبى، فهناك العديد من الاتهامات الليبية توجه ناحية جهات خارجية بينها تركيا بالوقوف وراء ما يجرى بعدما نجح الحوار الوطنى فى سحب البساط من تحت قدميها، وأفشل خطتها للسيطرة على ليبيا عبر الميليشيات ومن ثمة احتكار عملية إعادة الإعمار وفتح ليبيا أمام الشركات التركية، ويستندون فى ذلك إلى أن «ميليشيات مصراتة» المدعومة من تركيا تراقب ما يجرى فى «سرت» بصمت تام حيث إن ممارسة الحياد تجاه المجازر فى سرت يعنى دعمًا لداعش، وسبق أن أعلنت تركيا دعمها للميليشيات فى مواجهة العمليات التى يقودها الجيش الليبى بزعامة خليفة حفتر، وهو ما أدى إلى توتر العلاقة بين البلدين ودفع الحكومة المعترف بها دوليًا إلى مطالبة الأتراك بمغادرة ليبيا، ووجهت قيادات فى الجيش الليبى أكثر من مرة أصابع الاتهام إلى تركيا بوقوفها وراء تهريب الأسلحة إلى ميليشيات مصراتة وفجر ليبيا، فضلًا عن قصف الجيش الليبى فى مايو الماضى سفينة تركية داخل المياه الإقليمية الليبية، فى مكان غير بعيد عن سواحل مدينة «درنة» التى تحولت إلى معقل رئيسى لتنظيم داعش.
وسط هذه الفوضى الصاخبة التى تدور على الأرض الليبية وتعبر عن نفسها بمعادلة الاحتكام إلى قوة الميليشيا وحجم امتلاك السلاح، بالتالى ليس غريبًا أن تصدر 6 دول غربية كبرى (الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، وبريطانيا) بيانًا مشتركًا الأحد 16 أغسطس، تندد فيه بالأعمال «الهمجية» التى ارتكبها تنظيم داعش فى ليبيا، وترفض فى الوقت نفسه التدخل العسكرى لحل النزاع هناك، فالدول الغربية الست التى وقعت على البيان المثير للشكوك حول أن «الحل العسكرى للنزاع فى ليبيا غير مطروح حاليًا»، تفعل ذلك فى الوقت الذي تبحث فيه جامعة الدول العربية الثلاثاء 18 أغسطس إمكانية رفع حظر السلاح عن الجيش الليبى، من جانب الدول العربية لدعم الحكومة المؤقتة فى حربها على الِإرهاب وليس التدخل العسكرى فى ليبيا، ولكن يبدو أن هناك إصرارًا من جانب هذه الدول الست على التسويف والمماطلة لتحقيق أهداف بعينها.
مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة «إبراهيم الدباشى» انتقد موقف مجلس الأمن الدولى إزاء ممارسات «داعش» فى سرت، وذكر أن موقف مجلس الأمن واضح، ولن يوافق على أى طلب لتسليح الجيش الليبى قبل تشكيل حكومة وفاق وطنى، حتى لو احتل تنظيم «داعش» كل ليبيا وقطع رءوس جميع الليبيين، ليبيا كلها فى حقيقة الأمر وليست سرت وحدها تئن تحت وطأة داعش وغيره من التنظيمات التى أصبحت تشكل عبئًا كبيرًا وهمًا جاثمًا على الأمن الليبى وأمن الإقليم بكامله، فالمبعوث الأممى وعناصر الاستخبارات الغربية والدبلوماسيين الغربيين الذين يشاركون فى مفاوضات الوفاق الوطنى، يفرضون شروطًا سرية قاسية على الحكومة المعترف بها دوليًا على رأسها إبعاد اللواء خليفة حفتر قائد الجيش من المشهد السياسى، إضافة إلى مجموعة من الشروط الأخرى تتعلق بتقسيم الكعكة الاقتصادية الليبية التى تشهد صراعًا أمريكيًا فرنسيًا حولها، إذ تصر فرنسا على عدم المساس بمساحة نفوذها، وتواصل التمدد فى مناطق عديدة وخاصة فى الجنوب الليبى لضمان أكبر قدر من المصالح المستقبلية.
وهذا بالضبط ما تقوم به أيضا الولايات المتحدة مع بعض دول الجوار الليبى لضمان عدم نجاح أى مسعى لصالح دعم الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا، وهى نفس نوع العراقيل والضغوط الأمريكية التى تنتهجها مع بعض الأطراف العربية فى طريق إنشاء القوة العربية المشتركة، وهذه الأخيرة تنتظر تاريخ السابع والعشرين من أغسطس حيث اجتماع وزراء الدفاع العرب بمقر الجامعة العربية لإعتماد آلية المشاركة والإعلان عن خروجها للنور، وقد أشار وزير الخارجية الليبى فى مؤتمره الصحفى مع نظيره المصرى بعد يوم واحد من اجتماع الجامعة الأخير بأن ليبيا مشاركة فى هذه القوة، وقد تكون أولى مهام تلك القوة هى مساعدة الجيش الليبى فيما يطلبه رسميًا من دول الجامعة فى حربه ضد الإرهاب ودعمًا للشرعية، هذه الإشارة الليبية تكشف أننا بإزاء تحضير لتحالف جديد يشابه تحالف عاصفة الحزم الذى تقدم لليمن، وهذه المرة قد يمد يد العون للأشقاء فى ليبيا، وهى بقياس تعقيدات المعادلة الليبية مع إضافة مساحة الأطماع الدولية تبدو تلك الخطوة العربية طوق نجاة حقيقى إن نجحت الدول العربية فى اتخاذها ترسيخا للدفاع عن الأمن العربى المنهك والمنتهك.