الصباح
وائل لطفى
السلفيون لا يعرفون الوطن
*حزب النور يحتاج إلى عملية إعادة تمصير والجذور الفكرية للحزب مستوردة من الخارج
*كل القيادات السلفية تم تجنيدها فى السبعينيات لحساب المؤسسة الدينية الوهابية.. وهم يفخرون بذلك
*التيار السلفى قاد أكبر عملية تخريب للشخصية المصرية عبر تمويل بمئات الملايين ودعاة تم تصنيعهم خارج مصر
تابعت مثل الكثيرين الأخبار التى تتحدث عن حملة شعبية لإلغاء الأحزاب الدينية والتى تضمها قائمة طويلة يصل عدد الأحزاب فيها لــ11 حزبًا، بعض هذه الأحزاب هاجر قادتها إلى تركيا وقطر والتحقوا بركب جماعة الإخوان الإرهابية، وبعضها الآخر مازالت تناصر الإخوان من الداخل مثل حزب «الوطن».
على رأس الأحزاب التى تطالب الحملة بحلها حزب «النور» السلفى.. الذى يستعد لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة على 60 فى المائة من المقاعد.
مشكلة حزب النور ليست فى أنه حزب إرهابى أو طائفى أو رجعى ولكن مشكلته أنه حزب انتهازى.. ومنافق لدرجة أنه يثير غثيان حتى الذين يحاول الحزب أن ينافقهم أو ينبطح أمامهم!
ومنذ قرر الحزب أن يقفز من مركب الإخوان الغارقة فى 3/7 وهو يمارس نوم العازب وعجين الفلاحة من أجل أن يقتنص جزءًا من الكعكة السياسية فى مصر.
أما مشكلة السلطة السياسية فهى أنها لا تحدد موقفها من خلط الدين بالسياسة وهل هى ضده كمبدأ.. أم هى ضده حين تمارسه جماعة مثل الإخوان ومعه عندما يمارسه حزب يحاول أن يبدو أليفًا مثل حزب النور.
مشكلة حزب النور أنه حزب (متمصر/وليس حزبًا مصريًا) وهو يعبر عن تيار فكرى وسياسى مستورد من خارج مصر.. نعم هو حزب «وهابى» الهوى والهوية يعبر عن تيار غزا مصر فى سبعينيات القرن الماضى قادمًا من السعودية عبر البحر الأحمر ضمن صفقة باعت فيها السلطة المجتمع للوهابيين وللسلفيين والإخوان مقابل ألا ينازعوها هم كرسيها.. والذى يقرأ مذكرات قادة الدعوة السلفية فى الإسكندرية يدرك كيف أنهم كلهم تم استقطابهم وتجنيدهم وتمويلهم عبر المؤسسة الدينية الوهابية فى المملكة العربية السعودية، والأهم أنه لن يجد واحدًا منهم لا يفخر بأنه تتلمذ وتتبع ولازم وبايع رموز التطرف والتزمت فى المؤسسة الدينية السعودية من ابن باز والعثيمين إلى من هم أدنى وأقل مرتبة، وسيعرف أيضًا كيف أقام هؤلاء هناك سنوات قبل أن يعودوا ليغيروا وجه الإسلام المصرى ووجه مصر كلها عبر شبكة محكمة من الجمعيات الخيرية السلفية وعبر آلاف المساجد والمستوصفات وعبر مئات الملايين من الدولارات والريالات التى كانت وربما مازالت تضخ فى مصر تحت ستار العمل الخيرى فى حين أنها لم تكن سوى ثمن بخس لتحويل العقل المصرى وتشويه الشخصية المصرية.
ومع هذه الشبكة العنكبوتية من الجمعيات والمستوصفات والكتاتيب التى تتستر تحت رداء الدين كانت هناك «فى الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات» الملايين من شرائط الكاسيت المجانية التى تروج لأفكار عنصرية مقيتة من احتقار المرأة للحض على كراهية المسيحيين.. لتحقير الفن.. للطعن فى الأزهر ورموزه.
والأكثر من هذا أن مشايخ السلفيين كانوا ومازالوا يكفرون أصحاب العقيدة «الأشعرية» وهى عقيدة الأزهر الشريف منذ تحوله للمذهب السنى وحتى الآن.
وبعد مرحلة إمبراطورية الكاسيت كانت مرحلة القنوات الفضائية السلفية.. الناس والرحمة والمجد والفجر، وهى قنوات كانت ممولة بالملايين وقد نمت وانتعشت وترعرعت فى عهد الرئيس الأسبق مبارك.
ولعل الغريب أن مبارك رغم استمراره فى الصفقة التى عقدها نظام السادات مع الإسلاميين بكل صنوفهم.. ورغم أنه ترك لهم الشارع خاليًا ليرتعوا فيه مقابل ألا ينازعونه على قمة السلطة ورغم كل هذا فإن مبارك لم يسمح للسلفيين بأن يكون لهم حزب سياسى كانوا مكتفين بتأثيرهم التحتى فى المجتمع.. وبالشبكة الاجتماعية الضخمة التى أسسوها وأحدثت كل هذا الأثر التشويهى فى الروح المصرية وفى شخصية مصر.
المنطق يقول إن المقدمات تؤدى إلى النتائج وأن الماضى لا يمكن أن ينفصل عن الحاضر وأن التاريخ حلقات مسلسلة.. فإذا كان السلفيون قد أحدثوا كل هذا التشويه فى الروح المصرية فى الماضى فما الذى يمكن أن يفعلوه فى المستقبل حين يكون لهم ممثلون فى سلطة التشريع الأولى فى مصر؟!
والحقيقة أن حزب النور الذى يصف نفسه بــ «الذراع السياسية للدعوة السلفية» يمارس أكبر عملية خداع سياسى يحاول فيها أن يتبرأ من ماضى التيار الذى ينتمى إليه ويعبر عنه.. وهى تحولات تضرب مثلًا رديئًا لامتهان الدين واستخدام النصوص الدينية لتحقيق مصالح دنيوية عارضة.
لقد حرم ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية والأب الروحى لحزب النور المشاركة فى ثورة يناير ثم عاد المتحدث الرسمى لدعوته عبدالمنعم الشحات ليعلن أن الدعوة شاركت فى ثورة يناير بعدما تأكدت من حماية القوات المسلحة.
وحرم برهامى المشاركة فى العملية السياسية وقال إنها تتطلب التنازل عن عقائد ومبادئ وقيم لا يرضى أحد أن يتنازل عنها.. فى حين قال المتحدث باسم دعوته عبدالمنعم الشحات: «إن الانتخابات ليست سوى مصيدة يستدرج بها الإسلاميون إلى منزلق العنف».
والأخطر أن الشحات قال فى نفس التصريح بالحرف: «نحن نرفض الديمقراطية ونرى أنها ليست هى الشورى الإسلامية».. لكن الحال قد تغير حاليًا وأصبحت المشاركة فى الانتخابات هى الهدف الأسمى لحزب النور والذى يمكن أن يضحى من أجله بالغالى والنفيس.
على المستوى النظرى أنتمى لمدرسة لا تميل للإجراءات الاستثنائية وأقدر وجهة النظر التى ترى أن حزب النور يمكن أن يكون مكانًا بديلًا يلجأ له الإسلاميون «المعتدلون» بعيدًا عن حظيرة الإخوان.. لكن مراجعتى لتاريخ هذا التيار تؤكد أنه الخصم الرئيسى للشخصية المصرية، وأن أعضاءه والمنتمين له «سواء علموا ذلك أم لم يعلموا» ليسوا سوى طابور خامس تم زرعه داخل المجتمع المصرى ليقود أكبر عملية تشويه للروح المصرية.. هذه شهادتى.. والله تعالى أعلى وأعلم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف