الجمهورية
عبد الحليم رفاعى حجازى
آخر المهاجرين "2-2"
وهكذا فليس غريبا ان يحب "العباس" رسول الله حبا جما.. وأن يكون لهذا الحب البار المخلص علاماته وآياته البينات:
لقد خرج مع الرسول وهو مشرك ليشهد معه بيعة العقبة الثانية ويطمئن علي "ابن اخيه" فيها ويسدي إليه وإلي أصحاب البيعة نصيحته فيما هم مقدمون عليه حتي يكونوا في بيعتهم علي نور.
لقد فدي نفسه ومن معه "في يوم بدر" وقفل إلي مكة راجعا.. ولم تخدعه قريش بعد ذلك عن عقله وهداه.
لقد رأي أن يرد إلي النبي جميله في حسن معاملته له "يوم بدر" لما رأي قريشا تتجهز للخروج إلي رسول الله "يوم أحد".. فكتب كتابا إلي رسول الله ليخبره فيه بجمعهم وعدتهم.. فجمع النبي أصحابه وكون جيشا وخرج لملاقاة قريش.
لقد التحق بجيش الرسول ليكون في طليعة المجاهدين ويشترك في فتح مكة.. بعد ان سر بكلمة رسول الله حين هش وفرح لإسلامه ويقول له تلك الكلمة الخالدة وعينه تدمع من الفرح "هجرتك يا عم آخر هجرة كما ان نبوتي آخر نبوة".
لقد انطلقت بطولته ووقفت "في يوم حنين" مع رسول الله وقفة الابطال الصناديد.. واستجاب للرسول حين قال له: "يا عباس اصرخ بالمهاجرين".. وبالانصار.. ويدوي صوته في أرجاء الميدان ويسمعه المسلمون وينقلبون إليه مسرعين ويلتفون إليه مسرعين ويلتفون حول النبي مرة أخري.. وتنقلب الدائرة وينتصر المسلمون انتصارا كبيرا.. وبالتالي.. وكما اكد المؤرخون فإن نجاة المسلمين وفوزهم "في غزوة حنين" مدين "للعباس" و"لصوت العباس" بإرادة الله.. وكثيرا ما يؤدي الصوت القوي في ميدان القتال ما لا تؤديه السيوف والرماح.
وهكذا استمرت "للعباس بن عبدالمطلب" رعايته المباركة.. وكياسته العظيمة.. وبطانته المجيدة.. فيبلع حبه للحبيب "محمد" ذروته وأعلاه حين سئل مرة: أنت أكبر أم رسول الله؟
قال: رسول الله أكبر مني وأنا ولدت قبله بسنتين وكذلك أيضا حين سمع عن مرض الرسول الأخير فإنه يلزمه من البداية إلي النهاية.. وينتقل الرسول إلي الرفيق الأعلي.. ويحزن العباس علي الرسول حزنا بالغا ولكنه يستقبل قضاء الله بالصبر الواسع والقلب الراضي.. بل ويستمر.. ويكون "المجاهد" في سبيل الله طيلة العاملين اللذين قضاهما "أبوبكر الصديق" في خلافته..
أما في خلافة عمر بن الخطاب فيكون "الشيخ الكبير" الذي أحب عمر وقرر أن يستسقي به يوم جدبت البلاد. في عام الرمادة وقحطت وضربت المجاعة اطنابها في كل مكان وكان عمر يخرج بالمسلمين يدعو الله ان يسقيهم فلا يسق.. وقرر عمر طلب الاستسقاء مرات كثيرة ولكن دون جدوي.. وبعد تسعة اشهر من المجاعة.. ذكر عمر "العباس".. وأحبه وقرر ان يستسقي به.. ووافق "العباس" ودعا ربه.. وما ان اتم دعاءه شاهد الناس في السماء سحابة سوداء فتصايحوا ترون.. ترون.. وما هي إلا دقائق معلومة حتي نزل الغيث وسقي الناس فالتف الناس حول "العباس" يقولون: هنيئا لك يا "ساقي الحرمين".
بل ويستمر.. ويمتد عمره بعد موت عمر بن الخطاب.. ثم يعايش بعده الخليفة "عثمان بن عفان" حتي قرب اخر خلافته.. ثم يوافيه الاجل المحتوم في يوم الجمعة لأربعة عشر خلت من شهر رجب الفرد سنة اثنين وثلاثين من هجرة رسول الله وله من العمر ثمان وثمانون سنة.. ويترك أولاداً كثيرين ومن أشهرهم "عبدالله بن عباس" الذي هيأت استنارة عقله وذكاء قلبه واتساع معارفه أن يكون لقبه: "الحبر حبر هذه الأمة".
سبحان ربك رب العزة عما يصفون.. وسلام علي المرسلين.. والحمد لله رب العالمين
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف