نشوى الحوفى
هل تقضى علينا الطبيعة قبل الطائفية؟
حضرت فى شهر سبتمبر الماضى بمدينة شرم الشيخ المنتدى العالمى لمكافحة الكوارث الذى تنظمه الأمم المتحدة، وحصلت فى المؤتمر على تقرير حرصت على نشر تفاصيله والحديث عنه وإيصاله لمن يهمه الأمر فى بلادى على كافة المستويات. كان التقرير يتناول ما يحيق بعالمنا العربى من ظواهر طبيعية تهدد مستقبله، وبخاصة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق بات يهدد أمننا الغذائى والمائى معاً. وقلت إنه فى ظل ما تشهده المنطقة العربية من تواتر فى الأحداث السياسية، لا يركز الكثيرون منا فيما يحدث لدينا من تغيرات بيئية هى الأسرع مما هى عليه فى باقى أنحاء العالم كنتيجة للتزايد السكانى وزيادة الضغوط البيئية وتدهور المناطق البحرية والساحلية وتغير الميزان المائى وتقلص المساحات المائية. وأصدقكم القول بأننى لم أشعر بأى اهتمام بمحتويات التقرير لا على المستوى الرسمى أو من خلال القارئ العادى.
ومنذ أيام قليلة تساءل الكاتب السياسى «توماس فريدمان» فى مقال له بصحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان «أشد بقاع العالم حرارة»، عما إذا كان من الممكن أن تقضى الطبيعة على منطقة الشرق الأوسط بكل أطراف الصراع بها -بما فيها إسرائيل- فى ظل ارتفاع درجات الحرارة الذى أودى بحياة الكثيرين فى الفترة الأخيرة دون تحرك جاد من قبَل الدول فى المنطقة على اختلاف توجهاتها الطائفية؟ واستهل فريدمان مقاله قائلاً: «إذا لم يضع السنة والشيعة والعرب والأكراد والإسرائيليون والأتراك نهاية لصراعاتهم المستمرة منذ فترة طويلة، فسوف تدمرهم الطبيعة الأم جميعاً قبل أن يدمروا بعضهم البعض». وتناول التقرير العديد من المؤشرات التى سبق لمؤتمر الحد من الكوارث مناقشتها بقلق، مشدداً التركيز على درجات الحرارة التى بلغت على سبيل المثال فى منطقة «بندر ماهشار» بإيران، وهى مدينة مجاورة لمنطقة الخليج، 72 درجة مئوية! وكيف تجاوزت درجات الحرارة فى دول الخليج الخمسين إلى حد إقالة الحكومة العراقية لفشلها فى توفير الكهرباء لتكييف الهواء، وكيف طغت درجات الحرارة المرتفعة على حرب الحكومة ضد تنظيم داعش. وهو ما دفع برئيس الوزراء العراقى لمد عطلة نهاية الأسبوع إلى أربعة أيام لمنع الناس من التعرض للشمس. وأشار تقرير فريدمان أيضاً لعدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم فى باكستان جرّاء موجة الحر والذى قال عنه إنه تجاوز ضحايا أعمال الإرهاب فيها. ولماذا نذهب بعيداً وقد شهدت مصر ما يقرب من مائة حالة وفاة نتيجة موجة الحر الأخيرة.
قرأت التقرير بقلق، واسترجعت ما سبق أن كتبته عن نفس القضية التى أعلم نظرة عالمنا العربى لها. ولاحظت حجم ما نعانيه من فجوة كبيرة بين حجم ما نتداوله من معلومات عما يحيط بنا من تصحر وفيضانات وكوارث طبيعية وبين ما يعرفه العالم المتقدم. ففى الوقت الذى بلغ فيه عدد السكان فى العالم العربى 361 مليون نسمة وفقاً لتقديرات عام 2013، ذكر تقرير أعدته المجموعة الاستشارية الدولية لإطار الحد من الكوارث أن 90% من سكان المنطقة يعيشون على مساحة أرض لا تتجاوز 4% من المساحة الكلية للمنطقة العربية البالغة 1.4 بليون هكتار. كما تعانى المساحة المأهولة من الجفاف وتتوزع بين أراض قاحلة وشبه قاحلة، مع ارتفاع معدلات الحرارة فى السنوات الماضية بشكل غير مسبوق.
أعرف نظرة الناس فى بلادى لتلك القضايا البيئية والمناخية والتى تأتى دائماً فى مؤخرة الاهتمامات. ولكن الأمر لم يعد رفاهية أو اختياراً بل مسار إجبارى علينا السير فيه لحماية مستقبل الحياة فى منطقتنا إن كان لنا حياة. وبما أننا لا نملك قرار وقف الاقتتال فى بلادنا فى ظل حالة دولية من سُعار الدمار المسيطر على أجهزة مخابرات العالم دون نظر لمستقبل البشرية، فعلينا على الأقل توعية الناس فى بلادى والتفكير فى حماية الأرض والسماء عبر رؤية حقيقية لمكافحة قوات الطبيعة التى لا ترحم.