منذ فترة بعيدة ونحن لا نقرأ أو نسمع أو نشاهد عن اليمن سوى أخبار تفيد بتقدم المقاومة الشعبية على الأرض واستردادها للعديد من المواقع من أيدى الحوثيين، يترافق معها أنباء محدودة للغاية عن إسقاط طائرة من طائرات التحالف العربى، أو مصرع ضباط وجنود على الحدود بين اليمن والمملكة العربية السعودية. يحدث هذا بعد فترة كان الخبر المكرر داخل العديد من وسائل الإعلام العربى يفيد بتقدم الحوثيين. الأخبار التى تتدفق من اليمن الآن -عبر الفضائيات العربية- تقول إن الحوثيين اختفوا تماماً، ليس على الأرض، وإنما حتى داخل مضامين الأخبار التى لم تعد تستخدم مصطلح الحوثيين، واستبدلته بلفظ «المتمردين».
بعد هذا التقدم «الإعلامى» لقوات المقاومة الشعبية على أرض اليمن، كما زعمت وسائل الإعلام، فوجئنا بأنباء متضاربة حول بدء عمليات إنزال برى من جانب قوات التحالف العربى على أرض اليمن، كان أبرزها الخبر الذى نقلته وكالة «سبوتينيك» الورسية الذى أفاد بأن القوات الأمريكية أحبطت عملية إنزال برى لما يقرب من 2000 جندى مصرى وسودانى بمينائى الحديدة والمخا، وقد نفى المتحدث العسكرى المصرى هذا الخبر جملة وتفصيلاً. بعد ذلك بساعات تضاربت الأنباء عن عملية إنزال لقوات من معسكر التحالف العربى بميناء عدن. ولا خلاف على أن التدخل البرى جزء لا يتجزأ من خطة التحالف العربى لإزاحة الحوثيين، وإعادة الرئيس عبدربه هادى منصور إلى سدة الحكم، لأن شهوراً من القصف الجوى الذى أرهق الطرفين المتصارعين لم تفلح بعدُ فى تحقيق أهداف عاصفة الحزم، أو عملية إعادة الأمل، والمتمثل فى إعادة الشرعية «المنصورية» إلى اليمن. وقد بدا أنه لا سبيل إلى تحقيق هذا الهدف إلا بالمواجهة البرية.
ما يمكن التوقف عنده بالفعل هو عمليات المراوغة الإعلامية التى تعتمد عليها قوات التحالف العربى فى نقل الأخبار، عما يحدث على أرض اليمن، والتى تنطوى على قدر لا بأس به من التناقض، فإذا كانت المعلومات التى تتدفق عن التقدم المذهل لقوات المقاومة الشعبية الداعمة لعبدربه هادى منصور دقيقة، فما الحاجة إلى الاستعانة بقوات برية عربية، يشكل دخولها واحداً من أهم العوامل التى ستعقّد المشهد على المستوى اليمنى، بل وعلى المستوى العربى كله؟ تداول أنباء عن عمليات إنزال برى بموانئ اليمن يدلل على أن المقاومة لا تستطيع مواجهة الحوثيين بمفردها، وبالتالى فلا داعى للمبالغة. كذلك لا أرى أى قدر من الوجاهة فى «التعتيم» على تدفق قوات برية عربية إلى اليمن، فأية جهة لا تستطيع التعتيم على مثل هذه الأخبار المهمة طيلة الوقت، وسوف تظهر الأمور عاجلاً أو آجلاً، والقيادات التى تحترم شعوبها لا ترى غضاضة فى التعامل معها بأعلى درجات المصارحة والشفافية، لأن الجنود الذين سيوضعون على خط المواجهة هم فى النهاية جزء من الشعب، والشعب من حقه أن يعرف. على القيادات العربية أن تستوعب أن تلكؤها فى تفعيل «القوة العربية المشتركة» يضعها فى العديد من المآزق، من بينها اللجوء إلى مراوغة شعوبها، والتعتيم على ما تتخذه من خطوات، ناسية المثل الذى يقول «قال يا خبر بفلوس.. بكرة يبقى ببلاش».