الوفد
م. حسين منصور
مصطفى النحاس.. نصف قرن من الحضور المتجدد
غيب الموت مصطفى النحاس منذ خمسين عاماً.. نصف قرن من الزمان ظل فيها الغائب الحاضر.. ظل رمزاً للاستقلال والسيادة الوطنية وقلعة الحريات العامة والدفاع عن الدستور وتطبيق المواطنة.. وطريقاً لحقوق الشعب فى التعليم والصحة واقتسام ثروات الوطن.
< مصطفى النحاس الذى مات منزوياً فى عزلة جبرية فرضها النظام الناصرى وحملات إعلامية ملوثة مشبوهة لم تهدف إلا لإعادة كتابة تاريخ الوطن على مزاج حكامه فنالت من سمعته وأهدرت أعماله ولطخت تاريخه بكل ما هو باطل... انتفض المصريون لسماعهم خبر وفاته لتخرج فى مصر أكبر جنازة شعبية غير رسمية لتسير هادرة من عمر مكرم الى شركس بشارع صبرى أبوعلم الى جامعة الكخيا الى سيدنا الحسين... وجماهير الشعب تهتف «لا زعامة بعدك يانحاس.. عشت زعيماً ومت فقيراً يا نحاس».. ليظل سدنة الاستبداد وعبيد الشمولية غارقين فى ذهولهم من أين أتت الجماهير... ولتطارد الدولة البوليسية الوفديين الذى شاركوا فى الجنازة وتزج بهم فى معتقلاتها البائسة...!!
< انتصر مصطفى النحاس للحداثة دائماً... انتصر للإنسان... انتصر للثورة... انتصر للحرية والتقدم... عندما تخرج أول دفعة لم يقبل أن يعمل بالنيابة وعمل محامياً للعدالة حراً... عندما انطلقت الثورة غرق فى أحداثها وفصل من عمله كقاض... عندما منع سعد من تشكيل الوزارة فى 1926 أبى أن يشارك فيها وظل بجوار سعد... وعندما انتخب رئيساً للوفد كان انتخابه انتصاراً للبرجوازية الصغيرة ولجيل أبناء الفلاحين والطبقات الصغيرة الذى حمل الثورة... ثورة 19 على كتفه وكان الرابط بين المدينة والريف ذلك الجيل الذى وحد مصر كلها فى ثورة 19 باشوات وفلاحين.. ملاكاً وأجراء... حرفيين... عمالاً مسلمين وأقباطاً... وكان انتخابه رئيساً ومكرم سكرتيراً عاماً انتصاراً لمعنى الثورة ووحدة الوطن.
< استهل مصطفى النحاس رياسته للوزراء عام 28 وكان أن أصدر أول قرار لتمصير احدى الشركات الأجنبية فكان تمصير خط ترام الإسكندرية وإسناد إدارته لمجلس بلدى الإسكندرية... وأصر على إصدار قانون الاجتماعات الذى يلغى القيود على حرية الاجتماع ويسمح بالتظاهر السلمى فتحركت البوارج الإنجليزية ورفض النحاس تلك التهديدات وتمسك بموقف الوفد من إنكار تصريح 28 فبراير.
< خاض مصطفى النحاس معاركه التاريخية من أجل حماية الدستور... دستور 23 فى مواجهة «اليد الحديدية» وزارة محمد محمود التى عطلت الحياة النيابية... واستصدر الوفد قراراً من مؤتمر الاتحاد البرلمانى الدولى المنعقد فى برلين باستنكار الديكتاتورية التى تحميها الحراب البريطانية فى مصر... فكانت إدانة عالمية للانقلاب.... وجاء صدقى ليعطل البرلمان أيضاً وكان يوم تحطيم السلاسل عندما أغلق صدقى البرلمان لمنع انعقاده فذهب النواب وأصدر ويصا واصف أوامره للحرس بتحطيم السلاسل واجتمع المجلس واستنكر تلك المخالفات والاعتداء المستمر على الدستور والحياة النيابية... طاف النحاس أرجاء الوطن فى مواجهة الاعتداء على الدستور ذهب الى الزقازيق... وكانت زيارة المنصورة الشهيرة والتى تعرض فيها لمحاولة الاغتيال فافتداه سينوت حنا شهيد الحرية... وكان إلغاء دستور 23 ليستمر نضال النحاس والوفد ونضال الجماهير لاستعادة دستور 23 وكانت ملحمة تاريخية سطرها الشعب المصرى بكافة فئاته بزعامة النحاس لاستعادة دستور البلاد وكان لهم ما أرادوا بعد ماراثون طويل فى نهاية 1934.
< بوفاة عدلى يكن ورئاسة محمد محمود للأحرار الدستوريين لم يعد طه حسين قادراً على البقاء فى جريدة السياسة فى ظل الشعور الاستعلائى الذى يحمله محمد محمود وهو يعتقد أنه ابن من عرض عليه ملك مصر فأبى... فقد ذهب جيل المستنيرين بالعقل الى جيل المتغطرسين بالمال والجاه فى الأحرار الدستوريين... فما أن عرض عليه النحاس الكتابة فى كوكب الشرق حتى قبل وتحول قبلة الوفد.... فلما فصله حكم الإرهاب فى عهد صدقى من عمادة الآداب حتى هاجت طلاب الجامعة فى القلب منهم طلبة الوفد... وخاض الوفد معركته ضد صدقى الذى أتى بمنصور فهمى عميداً للآداب... وعاد دستور 23 وجاءت حكومة على ماهر انتقالية لإجراء الانتخابات التى حصد مقاعدها الوفد... وأنقذ ماهر ربيبه منصور فهمى بالنقل مديراً لدار الكتب فلما جاء النحاس على رأس الوزارة كان أول قراراته عودة طه حسين لعمادة الآداب.
< فى حكومة 42 قرر النحاس مجانية التعليم الابتدائى وكان نجيب الهلالى وزير المعارف ومستشاره الفنى طه حسين... وتم انشاء افتتاح جامعة الاسكندرية وعين الهلالى طه حسين مديراً للجامعة الجديدة على كره من فاروق فلما اقيلت حكومة الوفد... عزلوا طه حسين وجاءوا بمنصور فهمى مرة أخرى خلفاً له..!!
وفى حكومة «50/51» قرر النحاس مجانية التعليم القانونى وكان طه حسين وزير المعارف الذى طرح قضية الجامعة الثالثة جامعة عين شمس على البرلمان وافتتحت جامعة عين شمس رسمياً فى أكتوبر 50 وعين محمد كامل حسين الطبيب المتأدب مديراً لها... هذا هو النحاس المنتصر دائماً للشعب والنهضة والتقدم.
< فى حكومة 42 التى قالوا ما قالوا عنها... صدرت حزمة القوانين العمالية والنقابات العمالية السارية لليوم... حق انشاء النقابات.... تحديد ساعات العمل.. إصابات العمل... التأمين الاجبارى على حوادث العمل... عقد العمل الفردى... الحد الأدنى لأجور العمال الزراعيين... وفى حكومة «50/51» قانون الضمان الاجتماعى... عقد العمل المشترك... التعويض عن أمراض المهنة قانون موظفى الدولة.... قانون المساكن الشعبية.... تعيين كافة العمال المصريين الذين كانوا فى المعسكرات البريطانية وقد تجاوز عددهم «81» ألفاً فى أعقاب إلغاء معاهدة 36..!!
< عندما حان ميعاد تنصيب فاروق ملكاً لاكت الأقلام الفاشية حديثاً عن حفلة دينية يقلد شيخ الأزهر فيها فاروق سيف جده محمد على... وتظاهر الإخوان ومصر الفتاة وأذناب الملك لأجل هذا... ولكن النحاس أبى إلا أن يحلف اليمين الدستورية أمام البرلمان بمجلسيه وفقط..!! وتم له ما أراد وفى هذا يقول مصطفى النحاس «الإسلام لا يعرف سلطة روحية ولا معنى للاحتجاج بأن دين الدولة هو الإسلام أو مكانة مصر لدى الأمم الإسلامية... فهذه المكانة نفسها تستلزم أن ننزه الدين عن إقحامه فيما ليس من مسائل الدين... الاحتفال بمباشرة جلالة الملك لسلطاته الدستورية مجال وطنى يتبارى فيه سائر المصريين مسلمين وغير مسلمين».
وللحديثة بقية
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف