الوفد
عباس الطرابيلى
روح القناة.. ومشكلة الزبالة
قديماً كانت مشاكلنا القومية تتمثل فى: الفقر والجهل والمرض، وكان كل خطاب للعرش يركز على جهود الحكومة لمواجهة هذا التلوث الخطير.
الآن تتمثل مشاكلنا القومية فى: الفساد الإدارى، أى فساد المحليات وفى عجزنا عن مواجهة الزبالة، وهى ليست فقط فى القمامة، بل أيضاً فى القمامة السياسية!! وفى انخفاض صادراتنا مع تصاعد وارداتنا.. وبقى المرض يأكل أجساد المصريين، بل زاد.. ولكن الكارثة الكبرى هى فى انهيار المنظومة التعليمية.. فماذا نفعل؟!
<< وفى قمة النظام الناصرى وقف جمال عبدالناصر يواجه مشكلة اختيار من يقود النظام التنفيذى فى الدولة.. وصارح الشعب بما يدور فى قلبه.
قال للشعب: إننا نجحنا فى إدارة قناة السويس حتى استخلصناها سليمة من يد المغتصب الأجنبى، وكانت دولة داخل الدولة.. ونجحنا فى بناء السد العالى.. معجزة العصر الناصرى. وتساءل عبدالناصر: من يختار لرئاسة الحكومة.. هل المهندس محمود يونس الدينامو الكبير الذى قاد عملية تنفيذ قرار تأميم شركة القناة.. أم المهندس محمد صدقى سليمان الوزير الذى يشرف على بناء السد العالى.. وقال عبدالناصر يومها: إننا نجحنا فى إدارة القناة.. ونجحنا فى بناء السد العالى ولكننا فشلنا فى علاج مشاكل مستشفى قصر العينى!! وصارت جملته مثلاً!!
<< وترك عبدالناصر المهندس محمود يونس ليواصل إدارته الناجحة لقناة السويس واختار صدقى سليمان ليستكمل من خلال رئاسته للحكومة تنفيذ مشروع السد العالى، ضمن إدارته لمجلس الوزراء، أى للحكومة كلها.. ولكن ظلت مشكلة إدارة قصر العينى شوكة فى جنب الحكومة!! بل بقى السؤال من يومها: ومن ينقذ قصر العينى؟
<< وهذه القضية تطح سؤالاً غاية فى الأهمية هو: لماذا ننجح فى القضايا القومية الكبرى.. ونفشل فى الأمور الصغيرة حتى ولو كانت مجرد إدارة مستشفى فى حجم مستشفى، أو مستشفيات قصر العينى.. وهل الحل أن نتعامل مع صغار الأمور، على أنها مشاكل قومية؟
وهذا الكلام بمناسبة نجاحنا فى حفر قناة السويس الجديدة فى عام واحد وحققنا بذلك معجزة مازال العالم يتحدث عنها.. لأننا عرفنا كيف نقسم العمل.. ونشرف على التنفيذ.. ونتابعه ساعة بساعة.
<< إذا كان الأمر كذلك تعالوا نعتبر «الزبالة» قضية قومية حتى نستطيع أن نواجهها.. ونهزمها، بدلاً من أن تهزمنا هى ومرات عديدة.. سواء استعنا بشركات أجنبية.. أو اعتمدنا على شركات مصرية.. ولكننا فى النهاية نعتمد على العمالة المصرية.. وهل يمكن أن ننجح فى مواجهة بلاوى الزبالة ـ فى الريف والحضرـ بدون أى شركات أجنبية.. وهل ما ينقصنا هو «الإدارة» أم ان القضية فى الفساد المستشرى فى المحليات وما يصاحبه من قضايا رشوة حتى أن هناك من يدفع رشوة لكى يتم تعيينه فى هذه المحليات، بسبب مزايا هذا القطاع وما يحصل عليه ـ بعض ضعاف النفوس ـ من موظفيه الكبار والصغار.. وان كان هذا لا ينفى وجود موظفين يراعون الله ويرفضون أى رشوة تقدم لهم ومنها ما حدث من المهندس الطلخاوى رئيس الإدارة الهندسية بحى العجوزة، منذ شهور.
<< ولم تكن هناك مشكلة زبالة فى الريف، لأن أهلنا هناك كانوا يعرفون كيف يستغلون كل شىء هناك.. وما أقراص الجلة ببعيدة عندما كان الفلاح يخلطها بكل ما يتبقى لديه ويستخدمها فى الأفران البلدية داخل الدار لإعداد الطعام والخبز وتسخين المياه، بل وللنوم فى الشتاء القارس.. الآن وبسبب اختفاء معظم هذه الأفران الفلاحى ظهرت مشكلة الزبالة فى الأرياف.. وتظل الأكثر أهمية هى قمامة أو زبالة المدن.. ولأننا ـ معظم المصريين ـ نهتم بنظافة داخل مساكننا ولا نهتم كما يجب بنظافة السلالم والشوارع.. تحولت الزبالة الى.،. مشكلة قومية.
<< ولكننا ـ بعد أن نجحنا فى حفر القناة الجديدة ـ لماذا لا نجرب الإدارة الذاتية المصرية لحل مشكلة الزبالة.. مادمنا نمتلك كل هذه «الإرادة» القومية عالية المستوى.. بشرط حسن تقسيم العمل.. كما فعلنا فى حفر القناة.
وكما فعلنا فى إتمام تجهيز طريق القاهرة ـ الإسكندرية الصحراوى والذى لولا تقسيم العمل فيهما.. لما نجح أى مشروع منهما.. وكل ذلك ثم دون الاستعانة بالإدارة الأجنبية، أو بالشركات الأجنبية.. إلا فى أضيق الحدود.. وبالذات فيما يتعلق بالمعدات الميكانيكية عالية الجودة، كما فى موضوع الحفارات العملاقة.. والحمد لله لن نحتاج لمثل هذه الحفارات فى معالجة قضية الزبالة!!
<< هل نحتاج حقاً لروح القناة، لكى نزيل وصمة تلال الزبالة من كل شارع، وعلى ناصية كل ميدان.. أم نحتاج الى أن نخرج «عقل المحليات» ونضعه فى صفائح الجاز ونستخدم فرشاً من السلك لإزالة ما علق بهذه العقول من صدأ.. ثم نطلقه لمعالجة مشكلة الزبالة.
هى إذن قضيتا قناة السويس والسد العالى.. نربطهما معاً بروح القناة الجديدة لكى ننجح فى حل هذه المعضلة.
<< ودعواتك.. ياروح القناة الجديدة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف