المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. ممنوع من الكلام
لا أدري إن كانت القوانين الحالية تمنع المواطن من أن يتكلم لوسائل الإعلام عن أمور وظيفته إلا بإذن كتابي.. حتي وإن كانت هذه الأمور الوظيفية غير سرية بطبيعتها ولا يعقل أن تكون سرية.
ولا أدري إن كانت هناك دول أخري في هذا العالم مازالت تمنع مواطنيها من أن يتكلموا لوسائل الإعلام عن أمور وظائفهم سواء بالإيجاب أو السلب إلا بإذن كتابي.
لكن ما أعرفه يقيناً أن مثل هذا النص القانوني إن وجد سوف يتعارض تلقائياً مع حرية التعبير المكفولة لكل المواطنين في جميع الدساتير والقوانين ومع حرية الصحافة والإعلام التي لا يمكن أن تتحقق إلا في مجتمع حر يتمتع الناس فيه بحرية الكلام.. ويتعارض أيضاً مع حق وسائل الإعلام في الحصول علي المعلومات الصحيحة من مصادرها.
وبسبب هذا التعارض يكون واجباً علينا أن نحارب هذا النص الرجعي إن وجد ونرفضه.. ونرفعه من القوانين الجديدة التي يجري إعدادها هذه الأيام لا أن نوقظه ونفعله.. وبذلك نتجنب الصدام مع الواقع الذي لم يعد يحتمل مثل هذه النصوص العتيقة التي تعود إلي زمن المماليك.
من هنا فقد تعجبت من أن تنص المادة 190 من مشروع اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية الجديد الذي نشرته "المصري اليوم" في عدد الجمعة الماضية في البند رقم 5 علي أنه يحظر علي الموظف "أن يفضي بأي تصريح أو بيان عن أعمال وظيفته عن طريق وسائل الإعلام والاتصال إلا إذا كان مصرحاً له بذلك كتابة من الرئيس المختص".
هذا البند يجعل مهنة الصحافة والإعلام مستحيلة.. وينتقص من دورها في المجتمع كسلطة رقابة شعبية.. لأنها لن تستطيع أن تتواصل مع أي مواطن "موظف" في المجتمع.. ولا تعبر عن هؤلاء المواطنين "الموظفين" إلا إذا كان مصرحاً لهم أن يتكلموا بإذن كتابي من الرئيس المختص.. والرئيس المختص لن يصرح لهم بذلك.. بالعكس سوف يستخدم هذا النص في التعنت والمنع والتحقيق مع من يتجرأ ويتكلم للصحافة والإعلام.
الذي أفهمه في هذا الصدد.. والمقبول عقلاً.. أن يمتنع الموظف عن إفشاء الأمور السرية التي يكون مؤتمناً عليها بحكم وظيفته وبحكم موقعه ومسئولياته.. وهذا ما تناوله البند رقم 3 من مشروع اللائحة التنفيذية.. وهو كاف جداً لتحقيق الغرض.. وينص هذا البند علي أنه يحظر علي الموظف "إفشاء أي معلومات يطلع عليها بحكم وظيفته إذا كانت سرية بطبيعتها أو بموجب تعليمات تقضي بذلك دون إذن كتابي من الرئيس المختص.. ويظل هذا الالتزام قائماً بعد ترك الخدمة".
والدول المتقدمة لم تعد تتوسع في هذه الأمور السرية الممنوعة من التداول.. وتجعلها سرية في مواقع محددة تتعلق بأمن الدولة ومصالحها العليا فقط ولفترة زمنية محددة أيضاً.. ثم ترفع عنها "حظر النشر".. والهدف من ذلك أن تكون هناك حرية حقيقية في تداول المعلومات.. ليعلم كل مسئول أن ما يقوله أو يفعل سوف يعلن بكل صراحة علي الناس ليعرفوا الحقيقة.. فلا تتوه ولا تضيع.
ويكفي في هذا الصدد أن يكون كل من يتكلم إلي الصحافة والإعلام مسئولاً عما يقوله وعما يصدر منه.. وهذه المسئولية كفيلة بأن تكشف الحقائق.. ناهيك عن أن دور الإعلام بالضرورة التعبير عن كل الآراء.. وتناول القضايا من كافة جوانبها.. وهو ما يضمن له الموضوعية والمصداقية.. ويجعله منبراً حقيقياً للتعبير عن هموم المواطنين ومشاكلهم.. بمن فيهم الموظفون.
نحن نريد أن نفتح مزيداً من نوافذ الحرية.. وندرب الناس علي أن يتكلموا بمسئولية في زمن يسير إلي الانفتاح والحريات.. لا أن نمنع الكلام ومنع الشكوي ونغلق أبواب الحرية المتاحة في قوانين تتعلق بالوظيفة المدينة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف