لا أدري كيف فرضت ظاهرة الإلحاد نفسها علي مجتمعنا.. لكن يبدو - والله أعلم- أن الطرح المشوه للدين وجمود الخطاب الديني والتشكيك المستمر في الثوابت والصراع القائم بين أنصار الغلو والتطرف من ناحية وأنصار التفريط من ناحية أخري قد جعل قطاعا من الشباب يهرب إلي الإلحاد.. ويعلن كفرانه بكل الأشخاص وكل المعتقدات.
ولايمكن استبعاد حملة التشويه التي يقودها الغرب بشكل سافر أحيانا ومستتر أحيانا أخري ضد الإسلام والمسلمين.. مستغلاً بالطبع موجهة الارهاب المنسوب زوراً وبهتانا إلي الإسلام.. ومستغلا أيضا حالة الفوضي والاضطراب الفكري والصراع السياسي والاضمحلال الحضاري التي يعيشها العالم الإسلامي.
وفي هذا المناخ يقدم لنا الدكتور محمد داوود الاستاذ بجامعة قناة السويس تجربة رائدة في مواجهة الملحدين بالحوار الفكري العقلاني من خلال كتابه الجديد "عزيزي الملحد.. أسئلة الملحدين أمام العقل والعلم".
.. والواضح ان هذا الكتاب يضم الأسئلة التي طرحها الملحدون علي الدكتور داوود وقام بالرد عليها من خلال موقعه علي شبكة الانترنت.
وقد حاول المؤلف أن يقترب أكثر وأكثر من عقل ولغة الملحدين ولغة الفيسبوك.. فتخلي عن المفردات الأزهرية القديمة وركز علي مفردات الفيسبوك حتي في طريقة الكتابة.. ليعطي الحوار مع الملحدين حيوية وتفاعلا واقعيا.
واعتمد د. داوود علي وضع السؤال الذي طرحه الملحد بنفسه.. وباللغة التي اختارها.. وبالاسم الذي اختاره لنفسه.. وطبيعي ان تكون كل الأسماء رمزية علي طريقة الفيسبوك.. ورغم كثرة الأسئلة وكثرة الملحدين الذين شملهم الحوار إلا أنني توقفت أمام حوار مطول أجراه المؤلف مع ملحدة اختارت لنفسها رمز S.S ويبدو من لغتها أنها جريئة وصريحة ومقتحمة.. واستغرق الحوار معها أكثر من 50 صفحة في الكتاب الذي يقع في 250 صفحة.. بدأت الحوار بإعلان أنها لاتريد أن تكون مسلمة دون اقتناع وأنها تري الاسلام دينا صعبا ويضيق علي الناس وبالذات النساء لأنه يحرم الباروكة ومستحضرات التجميل والموسيقي.. وتسأل أين البرهان علي وجود الله وأنه الخالق وأن هناك ملائكة.. ولماذا أراد الله منا أن نعبده وماذا يستفيد من ذلك.. وانتهت أسئلتها عن العيادات وأين تجد الراحة النفسية.. وطبقا لما هو منشور فقد وصلت بالحوار إلي بر الأمان والحمد لله.
والميزة الكبري التي قدمها هذا الكتاب لقرائه هي المصارحة والمباشرة.. فالأسئلة صريحة وواقعية حتي في هجومها علي الاسلام وعلي الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم وعلي القرآن الكريم وكل الرسل والأنبياء.. وجاءت الاجابات مباشرة دون مقدمات علي غير عادة شيوخ الازهر المبجلين.. ولاتعتمد هذه الإجابات إلا علي العقل والمنطق.. لأن الملاحدة اساسا يرفضون أن تكون الحجة والبرهان من القرآن الذي لايؤمنون به ولا من السنة المطهرة.
من الأسئلة مثلا ما يتعلق بعرش الرحمن ولماذا لايتدخل الله لوقف المجازر والحروب والشر ولماذا لاينصف المظلومين ولماذا خلق حيوانات متوحشة ولماذا المرض ولماذا العذاب في الآخرة.. وما صحة الادعاء بوجود أخطاء وتناقضات في القرآن الكريم.
ثم يختتم المؤلف الكتاب بفصل تحت عنوان "كنت ملحدا".. يعرض فيه ثلاثة حوارات مع ملحدين تشبعوا بالالحاد ويبين كيف آمنوا وماذا عن حالهم بعد الإيمان.. وما المواقف الفاصلة في تاريخهم مع الإلحاد وما المواقف الخارقة التي لاتنسي في طريقهم إلي الإيمان.
هذا الكتاب نزهة فكرية ومبارزة عقلية تفيد المؤمنين والملحدين علي حد سواء.