قد يكون من المقبول فعليا القول إن هناك في الجماعة من يمثل أو يقوم بدور الحمائم ، أو بالأصح كلف من قبل قيادات الجماعة للقيام بهذا الدور
كلما صدر بيان أو تصريح أو فتوي داخل جماعة الإخوان انطلق البعض في تفسيره بوجود صراع أو انقسام داخل الجماعة بين من يسمون بالحمائم الذين يتمسكون بالسلمية في عمل ونشاط الجماعة وبين من يسمون بالصقور الذين يتجهون نحو العنف والانخراط فيه لتحقيق أهداف جماعتهم، خاصة هدف استعادة الحكم الذي أطاح بهم من الشعب في ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
تكرر ذلك مرات عديدة طوال العامين الماضيين.. وحدث ذات الشيء هذا الاسبوع علي أثر صدور بيان الهيئة الشرعية لجماعة الإخوان والذي يحرض أعضاء الجماعة وعلنا علي ممارسة العنف باعتبار ذلك يستند لتأصيل شرعي!.. لقد اعتبر البعض هذا البيان الذي يدعو علنا إلي ممارسة العنف دليلا أو مؤشرا جديدا علي وجود انقسام حاد داخل الجماعة بين دعاة الإصلاح ودعاة الثورة، أو بين دعاة التمسك بالسلمية ودعاة الانخراط في ممارسة العنف داخل قيادة الجماعة، خاصة أن بيان الهيئة الشرعية هذا للإخوان سبقه تصريحات منسوبة لنائب المرشد ابراهيم منير والقائم بأعمال المرشد حاليا، قبل اسبوعين تؤكد علي أن «سلميتنا مطلقة ومن يلجأ لأي أسلوب من أساليب العنف ليس إخوانيا»!.. ولذلك لم يكن غريبا أن يصف قيادي إخواني سابق بيان الهيئة الشرعية للإخوان بأنه بيان دعشنة الجماعة أي صبغها بطابع تنظيم داعش أو تحويلها إلي تنظيم ينخرط في العنف، وكأنها لم يسبق لها أن مارست العنف من قبل علي مدي أكثر من ثمانية عقود!
المهم أن صدور بيانات لقادة جماعة الإخوان مختلفة ومتناقضة يسارع البعض بتفسيرها بوجود خلافات داخل قيادة الجماعة، أو تحديدا بين جناحين داخلها، جناح مازال يتمسك بالسلمية ومنهجه في أعمال وأنشطة وممارسات الجماعة وجناح آخر يصر علي الانخراط في العنف باعتباره السبيل الوحيد لخروج الجماعة من أزمتها وتحقيق أهدافها وعلي رأسها استعادتها الحكم الذي فقدته، وتعرض كوادرها للملاحقة والمطاردة أمنياً وشعبياً، وتحولها إلي جماعة محظورة قانونا من يجاهر بالانتماء لها إما مصيره السجن أو الفرار خارج البلاد.
وبالطبع ما تعرضت له الجماعة في الثالث من يوليو عام 2013 كان بمثابة زلزال قوي أصابها في الصميم.. ومن بين النتائج المتوقعة لهذا الزلزال الذي تعرضت له الجماعة حدوث خلافات في الرؤي والمواقف، بل وحدوث انقسامات داخلها، خاصة أن هناك من سيحمل بالطبع قيادتها مسئولية ما أصاب الجماعة من خسائر وأضرار وما لحق بها من مصائب وكوارث.. وهكذا الانقسام وارد حدوثه داخل الجماعة والانشقاق محتمل، والخروج علي قادتها أمر غير مستبعد.. وحتي لو كان ذلك حدث بشكل محدود وليس مؤثرا داخل الجماعة بعد 30 يونيو، فإن الأغلب أن الجماعة وقيادتها وكوادرها قد أصابها حالة دوار واهتزاز مما لحق بها، خاصة أنها هي المرة الأولي التي تخوض فيها الجماعة ظروف فقدان حكم ظلت تعمل من أجل الوصول إليه ثمانية عقود وكانت تتصور وتتخيل انها سوف تبقي فيه إلي الأبد.. وفي ظل حالة الدوار تحدث الخلافات والصدامات بسبب عدم اتزان القادة والكوادر والأعضاء.
لكن كل هذا شيء مفهوم والحديث عن جناحين داخل الجماعة سواء الآن أو بالأمس، أحدهما ينتمي للحمائم والآخر ينتمي للصقور أمر غير مستساغ، وأخشي ان يكون مخططا لمنح الجماعة فرصة للبقاء علي قيد الحياة تحت قيادة ذلك الجناح الذي يوصف بأنه من الحمائم.
إن وجود حمائم داخل الجماعة أكذوبة من الصعب قبولها في ظل الإلمام بتاريخ الجماعة ومعرفة تورطها في العنف منذ وقت مبكر من عمرها.. جماعة الإخوان لايوجد فيها حمائم وصقور، وإنما يوجد فيها منهج واحد منذ أن تأسست يعتمد استخدام العنف لتحقيق ما يصبو إليه الجماعة وما رسمته من أهداف لنفسها حددها مؤسسها الأول حسن البنا.
وأذكر واقعة أكدت لي ذلك بوضوح.. وجرت تفاصيلها في اليوم الثاني من جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2012.. حيث قام د. كمال الجنزوري رئيس الوزراء وقتها بدعوة مجموعة ليست كبيرة من الوزراء والشخصيات العامة واثنين من الصحفيين كنت أحدهما وكلفهم بإعداد اقتراحات بتشكيل لجنة لصياغة الدستور بديلة للجنة المائة التي كانت مثار خلاف ونزاع بين الإخوان والسلفيين من جانب والقوي والأحزاب المدنية من جانب آخر.. وكان من بين الذين وجهت إليهم الدعوة القيادي الإخواني حلمي الجزار الذي كان يصنف كواحد من الحمائم داخل جماعة الإخوان، وعندما علم الجزار بالأمر اتصل بالقيادي الإخواني الآخر عصام العريان الذي طلب منه الانسحاب وعدم المشاركة في صياغة مقترح بأسماء لجنة بديلة لتلك اللجنة التي كان يهيمن عليها الإخوان.. وامتثل الجزار لما طلب العريان تنفيذا لتعليمات قادة الجماعة وقتها والذين كان الجميع يصنفهم من الصقور ويصفهم البعض بأنهم قطبيون، وتخلي الجزار عن صفة الحمائم ما يعني أنها ليست صفة أصيلة