الوطن
نشوى الحوفى
بالمدارس.. لا بدور العبادة
فى إطار مؤتمر للهيئة الإنجيلية حمل عنوان «كيفية تجديد الخطاب الدينى» واستمر على مدى يومين فى نهاية الأسبوع الماضى، وشارك به ما يزيد على 300 فرد، كانت إدارتى وحديثى فى الندوة الأولى للمؤتمر بحضور القس رفعت فتحى، والشيخ أسامة الأزهرى، والكاتب يوسف القعيد. ودار النقاش بين الجميع عن معوقات هذا التجديد فى وقت يزداد الحديث فيه عنه كهدف فى المسيحية والإسلام.
ومع احترامى لكل ما طرحته الندوة من آراء وأطروحات للنقاش، فإن المشكلة ليست فى الرؤية والفكرة وإنما فى امتلاك الإرادة لإحداث هذا التجديد. فحينما نتحدث عن مصطلحات قبول الآخر واحترام الاختلاف فى الرؤية، علينا إدراك أننا لا نمارس هذا فى تفاهات الأمور فكيف نطلبها فى المعتقدات الدينية؟ رغم أن الله القدير قال فى كتابه: «فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» وهى آية تحمل أكثر من رسالة: أولها إقرار الخلاف فى الرؤى، وثانيها أن الله هو الحكم وليس البشر، وعلينا ترك هذا الخلاف جانباً له، وثالثها أن ميقات الفصل هو يوم العرض عليه. فهل نفعل ذلك؟ هل ننحى خلافنا جانباً لله؟ بالطبع لا رغم لقطات الأحضان والابتسامات أمام العدسات.
وحينما نتحدث عن العقلية المبدعة المستنيرة الناقدة برقى لا بد أن نتساءل: وهل أعددنا لتلك العقلية؟ هل وفرنا لها سُبل التعليم القائم على البحث عن المعلومة وتحليلها ونقدها؟ بالطبع لا لقد فعلنا العكس بالحفظ والتلقين ونماذج الأسئلة ونماذج الإجابات وسؤال من عينة «اكتب ما تعرفه عن»، و«ضع علامة صح أو خطأ»، رغم أن العالم انتهى منذ سنوات من مبدأ أن للحقيقة أكثر من وجه فباتت الأسئلة من عينة الإجابات المتعددة وكلها تحتمل الصحة، تناسينا التاريخ والفن الراقى وقواعد الأخلاق السامية. فكيف نبحث عن عقلية ناقدة مبدعة هى أساس حربنا مع كل تكفيرى اعتنق العنف مذهباً؟ يا سادة نحن نكافح الإرهابيين لا الإرهاب.
وحينما نتساءل عما إذا كان هناك اجتهاد فى وجود نص. أجيب بثقة المتابع للتاريخ أننا فعلناها على مر العصور فلماذا تتحدثون اليوم بخوف عنها. فعلها عمر بن الخطاب حينما ألغى بند المؤلفة قلوبهم من العطاء فى مطلع الإسلام وتعامل مع نص فى القرآن. وفعلناها فى العصر الحديث حينما وضعنا قانون تحريم تجارة البشر والعبودية وما ملكت أيماننا. فلماذا الصمت عن تجديد الخطاب والاجتهاد فى وجود النص طالما سيقوم به عالم واعٍ باحث عن الحقيقة لمرضاة الله وحماية البشر؟
وحينما نتحدث عن سمو الرسالات السماوية وعلاقتها ببعضها البعض، أتساءل: وهل نعلم أبناءنا فى المسيحية والإسلام أن الرسالات تراكمية نزلت بالتدريج على البشر لتمنحهم ما يستندون عليه من قيم ومبادئ لو قرأتها فى الرسالات الثلاث لاكتشفت دون تعب أن مصدرها واحد؟ هل نعلم أبناءنا حديث محمد بن عبدالله عليه صلوات ربى حين قال إنه مجرد «لبنة» -أى حجر- فى جدار تلك الرسالات؟ هل نعلم أبناءنا أن الدين المعاملة بين البشر وأن الأخلاق هى الأساس، وأن الله قد يسامح فى حقوقه ولكنه لا يتغاضى عن حقوق البشر؟ لا، لم نفعل ذلك.
ولذا كان حديثى لمشايخ المسلمين وقساوسة المسيحيين فى المؤتمر: «تتنافسون فى إنشاء المساجد والكنائس وارتفاع كل منهما، فهل علمتم الناس سماحة الدين؟ وهل علمتموهم الأخلاق؟ لا يا سادة، ولذا إن أردتم تجديداً للعقول والقلوب والأرواح فتنافسوا فى إنشاء المدارس لا دور العبادة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف