الوطن
د. محمود خليل
الدنيا دوّارة
قوات الأمن المركزى تستخدم القنابل المسيلة للدموع والهراوات لتفريق أمناء الشرطة الذين اقتحموا مديرية أمن الزقازيق واعتصموا بها! هذا المشهد كان محط سخرية الكثيرين، بعضهم تندّر على الشرطة التى تضرب فى الشرطة، وتوقف آخرون عند الهتافات المتبادلة، ومعايرة الأمناء للضابط «أبو خمسين فى المية»، ومعايرة الضباط للأمين «أبو إعدادية»، وهناك من بهرته فكرة أن الشرطة تضرب فى الشرطة، وأن ذوى البدل البيضاء ينتقمون من بعضهم البعض. من سخر من هذا المشهد كان له عذره، لأنه يستحق السخرية بالفعل، ولكن دعك من كل هذا وتعال نتوقف أمام بعض المعلومات التى تناثرت على هامش «العركة» المستعرة!
المعلومة الأولى تتعلق بالمطالب التى رفعها الأمناء، وكلها تقع فى خانة المطالب المادية الفئوية، من بينها صرف حافز للأمن العام أسوة بالإدارات والمصالح، وزيارة بدل مخاطر 100% من الأساسى، صرف حافز للأمن العام 100% من الأساسى، وصرف مبلغ 90 ألف جنيه من صندوق التحسين عند الخروج للمعاش، وصرف معاش تكميلى أسوة بالضباط، صرف مكافأة نهاية الخدمة 4 أشهر عن كل سنة خدمة، صرف المعاش الشهرى على آخر راتب تم قبضه من استمارة الصرف، وصرف قرض حسن للأفراد والخفراء والمدنيين من قسم العلاقات العامة أسوة بالضباط. والحجة الأساسية التى احتج بها الأمناء فى رصّ هذه المطالب تتمثل فى «المساواة بالضباط»، بحكم أن الكل يعمل تحت يافطة الشرطة، وإذا كان «ضباط الشرطة» يحصلون على هذه المميزات الكبيرة، نظراً للدور الذى يقومون به فى ضبط وربط أحوال البلاد والعباد، فإن أمناء الشرطة يرون أن دورهم فى القيام بهذه المهمة المقدسة لا يقل خطراً، إن لم يزد، وبذلك يبررون لأنفسهم المطالبة بهذا السيل من المميزات المالية. من حق كل إنسان أن يسعّر دوره بالطريقة التى يرتضيها، لكن أرجو أن يتعلم الأمناء الذين تغذوا على غاز وهراوات الأمن المركزى أن يكونوا أكثر رفقاً -فيما بعد- بالمتظاهرين، لأن الدنيا دوّارة!
المعلومة الثانية جاءت على لسان مصدر أمنى أكد فيها أن حراك الأمناء جاء بتحريض من من عناصر إخوانية. تكشف لك هذه المعلومة عن مستوى تفكير بعض القيادات لدينا، فهم يرددون بصورة بائسة نفس الحجة فى مواجهة كل مشكلة، ويعلقون خيبتهم، فى حلها، على نفس الشماعة: «شماعة الإخوان»، دون أن يدركوا خطورة ذلك. فإذا ذهبنا مذهب هؤلاء وقلنا إن مظاهرات أمناء الشرطة اندلعت نتيجة تحريض عناصر إخوانية فسنصبح أمام مشكلتين شائكتين: الأولى أن تكون هذه العناصر من داخل الأمناء، ويعنى ذلك ببساطة أن هذا القطاع الشرطى مخترَق، ويحق لنا -فى سياق ذلك- أن نتساءل: كيف تم هذا الاختراق، وفى أى ظروف، وكيف تم السماح به، وإذا كانت الداخلية مخترَقة، فما حال باقى مؤسسات الدولة؟! المشكلة الثانية تظهر إذا اعتبرنا هذه العناصر من خارج الشرطة، وهى مشكلة أشد صعوبة، لأن ذلك يعنى أن الإخوان أصبح لديها القدرة على التحرك فى أوساط الفئات الغاضبة، وتحريكها، ودفعها إلى المواجهة، وهو أمر شديد الفكاهة، لأنه يصب من جديد فى نظرية «الدنيا دوّراة»!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف