هل هانت علينا مقدساتنا الى هذه الدرجة ؟!
قطعان المستوطنين وجحافل الاحتلال الصهيونى يقتحمون المسجد الأقصى المبارك بشكل شبه يومى، وعمليات تهويد القدس تجرى على قدم وساق ، والعرب والمسلمون فى حالة سبات عميق مشغولين بقتل وتكفير بعضهم البعض.
وفى حواره مع الأهرام الذى أجرته الزميلة المتميزة الأستاذة مروة البشير يؤكد الشيخ محمد حسين المفتى العام للقدس والديار الفلسطينية بمرارة شديدة أن الوضع العربى والاسلامى المتردى شجع الاحتلال وأغراه بمزيد من الاجرام بحق الشعب الفلسطينى ، وحينما انشغلت الأمة العربية والاسلامية بقضايا وفتن داخلية، أغرى ذلك الاحتلال بأن يكشر عن أنيابه الحقيقية وبأن يبطش بالشعب الفلسطينى وأراضيه .
ويشير الى حملات تهويد القدس التى تقوم بها سلطات الاحتلال الصهيونى بأوجه مختلفه فمثلا منها قضية الاستيطان بمعنى مصادرة الأرض الفلسطينية لبناء مزيد من المستوطنات وبخاصة فى مدينة القدس ، وعلى الجانب الآخر هدم بيوت الفلسطينيين بحجج كثيرة منها حجة عدم الترخيص وبذلك يتم تهجير الفلسطينيين كما يتم الاستيلاء على منازل الفلسطينيين أيضا بحجة أنها كانت لليهود قبل عام 1948 ، فهم يريدون اقتلاع الفلسطينى ليحل محله الاسرائيلى المهاجر من بقاع الدنيا هذا من جانب ، من جانب آخر هم يحاولون أيضا أن يجعلوا من التراث الفلسطينى زورا وبهتانا تراثا يهوديا، مثل أن يجعلوا الزى الفلسطينى زيا لهم والأكلات الفلسطينية أكلات لهم باعتبار أن هذا تاريخهم وهذه حضارتهم.
والحقيقة أن الحكومات الصهيونية سعت خلال العقود الماضية الى استكمال مخططها الاستيطانى الهادف للسيطرة الكاملة على مدينة القدس، وعملت على تحقيق ذلك من خلال توسيع ما يسمى حدود القدس شرقاً وشمالاً، وأدى ذلك الى مضاعفة عدد المستوطنين، وفى الوقت نفسه قللت نسبة السكان الفلسطينيين الذين يشكلون ثلث سكان القدس إلى نحو 220 ألف نسمة بما فيها الجزء المضموم 380 ألف نسمة، مع العلم بأن عدد المستوطنين فى مدينة القدس يساوى عدد المستوطنين فى الضفة الغربية وقطاع غزة (180 ألف مستوطن).
كما يعتمد الاحتلال على سياسة مصادرة الأراضى المملوكة للفلسطينيين من أجل توسيع مستوطناته، وبالتالى تضييق الخناق على الوجود العربى فى مدينة القدس، وعملت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على تنفيذ توصية اللجنة الوزارية الاسرائيلية لشئون القدس عام 1973م، برئاسة جولدا مائير، والتى تقضى بأن لا يتجاوز عدد السكان الفلسطينيين فى القدس 22% من المجموع العام للسكان، وذلك لاحداث خلخلة فى الميزان الديمجرافى فى المدينة، لذلك فقد لجأت سلطات الاحتلال الى استخدام الكثير من الأساليب لتنفيذ هذه الوصية والتى كان آخرها سحب الهويات من السكان العرب فى القدس، ولكن بالرغم من إقدام السلطات على سحب الهويات من أكثر من خمسة آلاف عائلة مقدسية فإن الفلسطينيين يشكلون نحو 35% من مجموع السكان داخل حدود المدينة، وذلك نتيجة عودة آلاف المقدسيين للسكن داخل حدود القدس.
ان الأساليب التى يستخدمها الاحتلال الصهيونى فى تدمير المسجد الأقصى وتهويد القدس كثيرة، والعرب لا حول لهم ولاقوة، فالتنظيمات الجهادية والتى يحمل بعضها اسم بيت المقدس لا تعرف طريق الجهاد ضد الاحتلال الصهيونى وتكتفى فقط بالجهاد ضد اشقائهم من العرب، وتحول الحديث عن القدس الى تجارة للعب بمشاعر الجماهير فقط.
ولعلنا نذكر الهتاف الشهير للاخوان «ع القدس رايحين شهداء بالملايين» ثم اتجهوا الى احتلال مدينة نصر باعتبارها أقرب من القدس، وعندما تولى رجلهم محمد مرسى حكم مصر خاطب زعيم الكيان الصهيونى شيمون بيريز فى رسالة رسمية بتعبير: صديقى العظيم بيريز.
وفى هذا المناخ المريب الذى يضيع فيه الأقصى والقدس، ترحل عنا أيضا رموز وطنية عظيمة لم تأخذ حقها ولم يهتم بها الاعلام رغم الأدوار المهمة التى قاموا بها فى الكفاح ضد الصهيونية والاستعمار.
فيرحل الكاتب الصحفى الكبير شفيق أحمد على أستاذ «التحقيقات الصحفية « فى مصر، والذى نعاه يحيى قلاش نقيب الصحفيين قائلًا: رحل شفيق احمد على كاتب قضى رحلته بين مؤسسة روزا اليوسف و الأهالى و العربى .. عاش يحلم بوطن حر و صاحب قلم حوله الى مدفع ضد التطبيع و الكيان الصهيوني.
لقد ظل شفيق أحمد على حتى وفاته مقاتلا عنيدا وصلبا ضد جميع محاولات التطبيع مع الكيان الصهيونى، وأضم صوتى الى صوت الزميل حمدى رزق الذى طالب نقيب الصحفيين بأن يجعل جائزة التحقيقات الصحفية باسمه.
وداعا شفيق أحمد على وإنا على الدرب سائرون.
فى الوقت نفسه فقدت بورسعيد أحد رجالها العظام المرحوم على زنجير، أحد أبطال المقاومة الشعبية بمدينة بورسعيد فترة الخمسينيات، والذى شارك فى الكثير من العمليات الفدائية ضد الانجليز وخلال العدوان الثلاثى على بورسعيد فى عام 1956، وأشهر عملية شارك فيها خطف الضابط الانجليزى أنطونى مورهاوس ابن عمة ملكة انجلترا.
هؤلاء هم عشاق مصر الحقيقيون الذين لم يتاجروا بنضالهم أو يتكسبوا منه، وسيبقون شعلة مضيئة فى الذاكرة الوطنية المصرية.
<< كلمات:
لا أنا مع الحبيب .. ولا أنا بدونه
جلال الدين الرومى