الوطن
امال عثمان
أصحاب اللحى.. وأصحاب المصالح!
لا ينكر أحد أن المصريين لديهم استعداد فطرى لاحترام وتبجيل من تبدو عليه مظاهر الورع والإيمان، وأنهم يعتبرون اللحية والجلباب والزبيبة من علامات التدين والتقوى والفضيلة، وهذا فى حد ذاته كفيل بأن يدفع المواطنين لتصديق وعود وكلام المرشح البرلمانى الملتحى، ويجعله يكتسب ثقة الناخبين وأصواتهم، بصرف النظر عما إذا كان هذا المرشح رجلاً صادقاً ونزيهاً ومخلصاً بالفعل فيما يقول ويفعل، أو ما إذا كان يصلح لهذه المهمة البرلمانية من عدمه!!وللأسف هذه القناعات الراسخة منذ القدم لدى جانب كبير من الشعب المصرى لا ترتبط بالجهل والفقر والأمية، أو المستوى التعليمى والاجتماعى والاقتصادى المرتفع أو المتدنى، لذا ليس غريباً أن يصل عدد الأحزاب الدينية فى مصر إلى حوالى عشرين حزباً، وأن يحصد مرشحوها أكبر عدد من الأصوات فى الانتخابات البرلمانية، وأن تصنع تلك الأحزاب لنفسها قاعدة شعبية كبيرة فى مختلف المحافظات. ولكن الأمر المستغرب حقاً ألا تتغير تلك المفاهيم والأفكار، برغم الأحداث الكارثية التى مرت بمصر بعد وصول الإخوان لكرسى الحكم، وألا نتعلم من أخطائنا ونتراجع عن تلك القناعات بعدما كشفت الممارسة الحزبية والبرلمانية لقيادات الأحزاب الدينية عن أفكار وأفعال شاذة تدحض هذه المفاهيم الخاطئة التى ترى فى كل صاحب «ذقن وجلابية» مثالاً للفضيلة والتقوى، وبعدما شاهدناه من نواب عمليات التجميل والتضليل، وما رأيناه من أبطال روايات الأفعال الفاضحة فى الطريق العام، وما سمعناه من فتاوى «برهام» فى الختان وتزويج الصغيرات وتحريم التهنئة للأقباط، وشهامة الأزواج فى غض البصر عن اغتصاب الزوجات، وتبرير الصكوك الحلال وصفقات الأمريكان تحت شعار الضرورات تبيح المحظورات!!وما يزيد الطين بلة حالة الضعف والوهن المستشرى فى أوصال الأحزاب المدنية على الساحة، وعدم قدرة كوادرها على الوصول للقاعدة الشعبية وتقديم خدمات للناخبين والمنافسة بشكل حقيقى، وفشلها فى إحراز تقدم نحو تكتلها وتحالفها بسبب تغليب صراعاتها ومصالحها الشخصية على المصلحة الوطنية، ولكن كل هذا وذاك لا يعطى ذريعة لأصحاب الحملات التى تدعو لحل الأحزاب الدينية، ولا يمنح مبررات للدخول فى مصادمات من هذا النوع تدخل الوطن فى نفق الصراعات والنزاعات والحروب، فى وقت نحتاج فيه لتوحيد الصفوف والتخلى عن الخلافات!إذا كان القائمون والمؤيدون لتلك الحملة يتصورون أنهم قادرون على إقصاء الأحزاب الدينية، ومنعها من خوض المعركة الانتخابية التى باتت قاب قوسين أو أدنى، فلا شك أنهم واهمون، ولن تحقق حملتهم سوى مزيد من الأصوات الانتخابية لتلك الأحزاب ومرشحيها، والمساهمة بشكل كبير فى حث التيارات الدينية المختلفة على المساندة، ودفعهم لتوحيد صفوفهم تطبيقاً للمثل القائل: «أنا وابن عمى على الغريب».صحيح أننى أرفض تماماً وجود أحزاب ذات مرجعية دينية تستغل المنابر والشعارات لتحقيق مكاسب سياسية وحزبية، وأدرك تماماً خطورة تلك الأحزاب على الحياة البرلمانية، ولا أعلم كيف لحزب أن يجمع بين العمل الدعوى الذى يتطلب سمواً روحياً وورعاً وزهداً فى مباهج الحياة ومتعها ومسراتها، وبين السياسة ودهاليزها وألاعيبها وتوازناتها ونفاقها وأكاذيبها؟! لكن الصحيح أيضاً أن الفارق كبير بين حل هذه الأحزاب من خلال توكيلات وتوقيعات ومظاهرات، وبين الإجراءات القانونية والتشريعات التى تتصدى لظاهرة استشرت فى البلاد، ومقاومة تغلغل تلك الجماعات التى تعمل تحت عباءة الأحزاب زوراً وبهتاناً، من خلال الوصول للناس فى الشارع ودحض مزاعمهم وكشف أكاذيبهم، وتنظيم حملات للتوعية والتثقيف والتوجيه والنهوض بالوعى والفكر السياسى لدى الناخبين.إن إطلاق الحملة فى هذا التوقيت الذى تتعرض فيه مصر لضغوط دولية عديدة يوحى برغبة النظام فى إقصاء التيارات الإسلامية، وبأن أجهزة الدولة متواطئة فى دعم هذا التحرك الشعبى، ليس هذا فحسب، بل إنها تضع القضاء فى مأزق صعب، فى حال قدرة البعض على تقديم أدلة وبراهين، وأوراق قانونية تثبت تحايل الأحزاب الدينية على القانون وإفساد الحياة النيابية، واستخدامها خطاباً طائفياً يدعو للتفرقة والكراهية.والسؤال: أين كان أصحاب تلك الحملات والتوقيعات طوال الفترة الماضية؟! ولِمَ استيقظوا قبل أسابيع فقط من الانتخابات؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف