د. اكرام بدر الدين
التنمية والقيم والسلوكيات في مصر الحديثة
تشهد مصر في الآونة الراهنة محاولات جادة لتحقيق التنمية الشاملة في مختلف أنحاء الوطن، وقد بدأت ثمار هذه العملية التنموية الناجحة بافتتاح قناة السويس الجديدة التي تعقبها العديد من المشروعات التنموية المهمة سواء في محور تنمية قناة السويس أو تنمية سيناء أو استزراع مساحات جديدة من الأراضي الزراعية أو الاهتمام بمكافحة البطالة ونشر المشروعات المتناهية الصغر، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات الأساسية:
أولاً: إن التنمية هي بمثابة عملية شاملة process تختلط فيها الجوانب المادية والاعتبارات البشرية والبيئية، كما تتأثر أيضاً بعنصر الزمن وتتواكب فيها الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والسلوكية والقيمية، فالتنمية في النهاية أداتها الإنسان أي البشر وهي تهدف إلى فائدة الإنسان أو البشر, ومعنى ذلك أن الإنسان هو هدف عملية التنمية وأداتها في نفس الوقت، كذلك فإن لعنصر الزمن أهميته القصوى في عملية التنمية، حيث يمثل تحدياً مهماً يضاف إلى تحديات التنمية وهو الفترة الزمنية أو الوقت الذي تتحقق فيه التنمية، وكلما كان هذا الوقت قصيراً كلما كان ذلك أفضل، كما تتأثر عملية التنمية أيضاً بالاعتبارات والجوانب النفسية والاجتماعية التي يمكن أن تمثل بيئة مناسبة ومواتية للتنمية، أو على العكس تمثل بيئة معوقة ومعرقلة لعملية التنمية نظراً للتأثير السلبي أو الإيجابي على عملية التنمية.
ثانياً: قيم التنمية، فالقيم لها تأثيرها الكبير على سلوك وتصرفات الأفراد، ويستخلص من خبرة المجتمعات المتقدمة أنه يتوافر فيها قيم مهمة مثل الانضباط، والالتزام، وتقديس العمل، واحترام قيمة الوقت وأهميته، والرغبة في الإتقان والوصول إلى الكمال فضلاً عن قيم الانتماء للوطن والارتباط به والاستعداد الدائم للتضحية من أجله والقدرة على العمل الجماعي في إطار منظومة واحدة ومتجانسة، كما تسود قيم التسامح واحترام الآخر سواء كان الآخر مختلفاً في الرأي أو الدين أو المذهب أو الطائفة، بينما على العكس من ذلك فإن المجتمعات المتخلفة والمجتمعات التي لم تتمكن من قطع أشواط مهمة في طريق التنمية تعرف القيم العكسية تماماً أي قيم التعصب وعدم احترام الوقت أو الاهتمام به والتواكل وعدم الانضباط، وعدم القدرة على العمل الجماعي في منظومة واحدة مما ينعكس سلباً على عملية التنمية.
ثالثاً: ويمكن القول إن نجاح مصر في تحقيق إنجازات تنموية هامة يتطلب توافر القيم الإيجابية من وجهة التنمية والتخلص من القيم السلبية والمعوقة للتنمية، وتثبت الخبرة السابقة صحة ذلك، حيث يمثل نموذج قناة السويس الجديدة مثالاً للنجاح في مشروع تنموي ضخم سواء من حيث الانضباط أو النظام أو القدرة على الأداء أو الإنجاز في فترة زمنية قصيرة،ويمكن أن يكون ذلك المشروع الناجح نموذجا لإمكانية تنفيذ مشروعات تنموية ناجحة أخرى إذا توافرت هذه القيم المدعمة للنجاح، كما يتطلب الأمر أيضا ضرورة الاهتمام بالجوانب غير المادية في عملية التنمية، فهذه الجوانب المادية رغم أهميتها إلا أنها لا تكفي وحدها، حيث يتطلب الأمر توافر الدافع للإنجاز والمشاركة والعمل الجماعي لدى جميع الأفراد وإدراك أهمية عنصر الزمن فضلا عن الترابط بين أفراد المجتمع، بحيث يكون الولاء والانتماء للوطن هو أعلى أنواع الولاء والانتماء، وبحيث لا تتواجد أشكال للولاءات أو الانتماءات الضيقة التي يمكن أن تمثل منافسة أو تهديداً للولاء الأسمى والأعلى للوطن ككل، ويمكن أن تكون لأدوات التنشئة والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والثقافة والآداب والفن والأحزاب السياسية والمسرح والجامعة والنقابات دورها المهم في غرس ونشر القيم الإيجابية من وجهة نظر التنمية والتخلص من القيم التي تطرح آثارها السلبية على عملية التنمية.
رابعاً: إن عملية التنمية الناجحة هي التي تنعكس في تأثيرها ونتائجها على المواطن بشكل مباشر والذي يعتبر الهدف من التنمية، فالمواطن العادي يقيم عملية التنمية ومدى نجاحها بقدر ما يشعر به من آثار ونتائج إيجابية وتحسن في أحواله المعيشية وحياته اليومية مثل: الصحة والتعليم والمواصلات والكهرباء والصرف الصحي وعدم الاكتواء بنيران الأسعار، فضلاً عن وجود فرص عمل لأبنائه من خلال مكافحة البطالة، وأن يشعر أن مستواه الاقتصادي والاجتماعي يتحسن ويتجه نحو الأفضل، بينما لا يهتم المواطن العادي غالباً بالمؤشرات الاقتصادية الكلية مثل: تراجع الدين الخارجي أو انخفاض الدين الداخلي أو تحسن ميزان المدفوعات على سبيل المثال إذا كان لا يشعر بانعكاس ذلك إيجاباً على حياته اليومية، ولذلك فإن عملية التنمية الناجحة تتطلب توافر القيم الهامة اللازمة للنجاح والتخلص من القيم التي تسبب الفشل وأن يكون هدف ومحور التنمية هو المواطن في حياته اليومية والمعيشية مما يدفعه إلى مزيد من التقبل لقيم التنمية.
أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة