كان اسمها: ديوان المدارس.. منذ عهد محمد على باشا، عندما كانت الدولة تتكفل بكل أعباء العملية التعليمية من كتب وملابس وأحذية وطعام بل ومرتبات أيضاً.. ومعظمها كانت مدارس داخلية، أى للتعليم والإقامة.
ثم أصبح اسمها ديوان المعارف ـ أيام الخديو إسماعيل ـ وكان ناظرها هو الأشهر على باشا مبارك.. الذى توسع فى مشروع جده التعليمى النهضوى. وتحول الاسم الى نظارة المعارف ثم وزارة المعارف التى تقدم المعارف كاملة للتلاميذ. وكانت الدولة تقدم للتلاميذ كل مستلزمات العملية التعليمية من كتب وكراسات وأدوات.. وأيضاً وجبات غذائية كاملة، ساخنة: لحوم وأسماك وأرز وخضراوات وخبز وفواكه.. وكان كل ذلك بالمجان. وقد عشت هذا العصر خلال مرحلتى التعليم الابتدائى والثانوى.. وكان ذلك قمة عصر الدولة التى تقدم للتلاميذ كل شىء.. وفى المقدمة: المعارف والمعرفة والتعليم.
<< ثم ـ مع ثورة 23 يوليو 1952 ـ ومن أيام إسماعيل القبانى فى حكومة محمد نجيب يوم «7 سبتمبر 1952» ثم عباس عمار ومحمد عوض محمد الى أن تولى الوزارة كمال الدين حسين تحول اسمها الى وزارة التربية والتعليم.. وهنا أخذت مهمة الوزارة تنحدر فانتهى دورها فى توفير المعرفة والمعارف.. فلا نحن واصلنا دور الدولة المعرفى.. ولا نحن طورنا دورها الى التربية الحقيقية.. وإلى التعليم الحقيقى. وأصبح كل همنا الاعتماد على سياسة الكم.. ونسينا دورها الأهم وهو التعليم، أى الكم على حساب الكيف.
وأخذ دور الدولة ينحسر فى «حشو» عقول الطلبة من خلال كتاب مدرسى عقيم.. جعل الطلبة يلجأون إلى الكتاب الخارجى. وأقسم بالله أنه مازالت عندى كتب المدرسة الابتدائية وحتى منتصف المدرسة الثانوية هذه الكتب الحكومية، لأننى أفخر بها وأعتز.. ووقعت الدولة بين طرفى المطرقة والسندان أقصد الكتاب المدرسى.. والدروس الخصوصية!! وأعترف أننى اضطررت لأخذ درس فى الرياضيات ـ فى عام 1950 ـ فى المرحلة الثانوية.. وكنت أذهب للمدرس «عبده مؤمن» متوارياً عن الأنظار.. إذ كنا نعتبر الدروس الخصوصية عاراً لا يلجأ إليه إلا الطالب الفاشل.
وأشهد أن المدرسة الحكومية ـ أيامى ـ كان المدرس يعيد الدرس ويعيده مرات عديدة.. كان يحاول جاهداً مشكوراً أن يسقينا العلم مع الماء والهواء.. وفى آخر العام كان المدرس يذهب بنا الى حديقة المدرسة أو إلى سطحها، لكى يعيد علينا ـ حبياً ـ كل دروس العام.. ومجاناً.
<< الآن توغلت الدروس الخصوصية. وأصبحت فرضاً على كل طالب حتى فيما قبل المدرسة الابتدائية.. فما بالنا بالمدارس الإعدادية والثانوية، وبعد أن كانت هذه الدروس تجرى سراً فى شقق المدرسين. وجدنا من المدرسين من يستأجر شققاً خاصة، يخصصها لهذه الدروس، وتوحشت العملية، حتى وجدنا من يستأجر الجراجات، فى بدرومات العمارات، ويحولها الى فصول لكل المواد، إلا التربية الوطنية!!، وكل بالمواعيد والجداول.
وتحيقاً للمسميات العصرية أصبح اسم هذه «الجراجات» سناتر ومفردها سنتر، أى مركز تجميعى للدروس الخصوصية. ونالت هذه السناتر شهرة ولا شهرة المدارس العريقة زمان، أيام المدرسة السعيدية والإبراهيمية والتوفيقية والخديوية ـ وكلها بالمناسبة أسماء تحمل رحيق الزمن الغالى، أيام محمد سعيد باشا.. وإبراهيم باشا وأيضاً الخديو توفيق.. وقد خرج ـ لمصر ـ من هذه المدارس الحكام والوزراء وعظماء الدولة المصرية.. وكان الأشقاء العرب يحرصون على الالتحاق بها.. أيام كانت مصر هى كعبة التعليم فى الشرق كله.
<< وإذا كان المدرسون الخصوصيون يخشون ـ زمان ـ هيبة الدولة وكانت الحصة بربع جنيه.. فإن هؤلاء الآن باتوا يتحدون الدولة وارتفعت الأسعار إلي 50 جنيهاً للحصة.. وفى بعض المواد، تقترب من المائة جنيه.
كل هذا والدولة ووزيرها تتحدث عن «محاربة الدروس الخصوصية» بينما السناتر تنتشر فى كل مكان. عينى.. عينك.. بل ومن لم «يلحق» ويحجز لأولاده مكاناً فى هذه السناتر.. ذنبه على جنبه ولن يقبل أى سنتر قبول طالب، من الآن.. يعنى بات الطالب يحتاج واسطة ليدخل أحد هذه السناتر.. كما كان يحتاج زمان إلى واسطة ليلتحق بإحدى المدارس المتقدمة.. تقولش هى مدارس المتفوقين فى عين شمس.. زمان؟!
<< وبعد أن توحشت السناتر.. وزالت هيبة وزارة اللاتربية واللا تعليم.. لماذا لا نوفر المليارات التى نخصصها للمدارس العمومية ونلغى الوزارة.. ونعترف بالأمر الواقع.. ونحولها إلى «وزارة السناتر» فربما يتحسن مستوى التعليم فى مصر.. ونستعيد بعضاً مما كان للمدارس العمومية من دور حقيقى للمعارف.
أم نهتف جميعاً: تسقط وزارة التربية والتعليم وتحيا السناتر ففيها ما عجزت الدولة عن تحقيقه؟! ربما يتحسن مستوى التعليم فى مصر!!