الأهرام
عبد الغفار شكر
حق شيماء الصباغ
ليس أقسي علي الانسان من ان يكون عاجزا عن القيام بواجبه في اللحظة المناسبة‏,‏ فقد عجزت عن المشاركة في تشييع جنازة زميلتي في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي الشهيدة شيماء الصباغ كما عجزت عن المشاركة في تلقي العزاء‏.
اذ كنت ومازلت طريح الفراش في المستشفي اثر جلطة بالمخ اصابتني منذ ثلاثة شهور في جانبي الايمن كله لا استطيع الحراك نتيجة لها.
كان اللواء ابو بكر عبد الكريم مساعد وزير الداخلية لقطاع حقوق الانسان قد اتصل بي بعد استشهادها مباشرة ليقدم التعازي في فقدها, قائلا إنه يبلغني رسالة من اللواء محمد ابراهيم وزير الداخلية انه حريص علي معرفة الجاني وانه يتعهد بتقديمه للمحاكمة واذا ثبت ان المسئول عن ذلك احد رجال الامن فإنه سوف يقدمه بنفسه للعدالة ليلقي جزاءه وانه امر ان تكون قوات الامن بميدان طلعت حرب واسلحتها تحت تصرف النيابة العامة ضمانا لوصولها الي الحقيقة وتكرر وعد وزير الداخلية بذلك امام رئيس الجمهورية الذي اعلن ان الشهيدة شيماء الصباغ ابنته وانه يطالب الوزير بايجاد الجاني ورغم هذا كله, فقد فوجئنا بالتحقيق يسير في مسار مختلف اشبه بمسرح العبث عندما اتهم استاذ الاقتصاد الدكتور زهدي الشامي نائب رئيس الحزب الذي يقترب من السبعين من عمره ويعاني من قصور في الشريان التاجي.
وقد اجري منذ فترة وجيزة عملية جراحية في القلب ورغم هذا كله فقد اتهم بقتل زميلتي في الحزب وحققت معه النيابة في ذلك واستعرضت الجاكيت الذي كان يرتديه للتأكد من انه لم يكن يحمل مسدسا في احد جيوبه علي النحو الذي تناوله البعض علي صفحات الفيسبوك. وضاع وقت طويل في هذا التحقيق الذي لم يكن له اي مبرر منطقي كما ضاع وقت آخر في التحقيق مع قيادات حزب التحالف بتهمة التظاهر بدون ترخيص, بينما كان البحث عن الجاني يتطلب ان يبدأ التحقيق مع قائد القوة الامنية بميدان طلعت حرب وفحص اسلحة القوة لمعرفة ما اذا كانت قد استخدمت في هذا الوقت ام لا, وكانت الاخبار والصور المتداولة تستدعي ان تكون هذه بداية التحقيقات, حيث لم يكن يوجد في مسرح الاحداث سوي قوات الامن واعضاء الحزب وكان يظهر في هذه الصور اثنان من قوات الامن ملثمان يحمل احدهما بندقية اطلاق طلقات الخرطوش والثاني بندقية لاطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع ولم يكن هناك طرف ثالث في مسرح الاحداث ذلك ان الامر كله لم يستغرق سوي بضع دقائق عندما تقدم المهندس طلعت فهمي امين عام الحزب الي قائد القوة الامنية يخطره بأن وفد الحزب يريد ان يضع باقات من الزهور في ميدان التحرير تخليدا لذكري25 يناير, ولم يتمكن من اكمال حديثه فقد استشاط قائد القوة غضبا ونهره وامره بالانصراف.
لم يكد طلعت فهمي يتراجع بضع خطوات حتي فوجئ بسيل من قنابل الغاز والخرطوش الذي اودي بحياة الشهيدة شيماء الصباغ ومما يؤكد حسن نوايا الوفد انهم كانوا قادمين من شارع هدي شعراوي الي شارع طلعت حرب, حيث كان يمكنهم الانعطاف يسارا الي ميدان التحرير مباشرة لكنهم فضلوا الانعطاف يمينا لميدان طلعت حرب لاخطار قوات الامن بهدفهم من التوجه الي ميدان التحرير. وبينما التحقيق يسير في اتجاه خاطئ باتهام الدكتور زهدي الشامي بقتل زميلته كانت كتيبة الاعلام المضلل تشغل العديد من البرامج التليفزيونية بحوارات تتهم الحزب بالمسئولية عما حدث وتبحث عن طرف ثالث هو الذي قتل شيماء وتلقي ظلالا من الشك حول ان تحرك الحزب في هذا الوقت بالذات كان يخدم جماعة الاخوان المسلمين وهي كلها اكاذيب برع فيها هذا النوع من الاعلاميين الذي اعتاد خدمة السلطان وانضم اليهم للاسف بعض الاعلاميين الذين كانوا يتميزون بالحياد والاداء المهني.
اننا اذ نقدر للرئيس عبد الفتاح السيسي موقفه من الشهيدة شيماء الصباغ وتأكيده علي انه يعتبرها ابنته ومطالبته بمواصلة التحقيقات للوصول الي الجاني, فإننا نرجو ان يتم ترجمة موقف السيد الرئيس الي اجراءات عملية فعالة تبدأ بتوجيه وزير العدل الي انتداب قاض لاجراء تحقيق مستقل يكشف الحقيقة, ثانيا صدور قرار من رئيس الوزراء باعتبار الشهيدة شيماء الصباغ من شهداء الثورة وما يترتب علي ذلك من اجراءات مثل منح ابنها بلال معاشا شهريا وكافة التعويضات المستحقة, ثالثا ان يقوم محافظ الاسكندرية باطلاق اسم الشهيدة علي الشارع الذي ولدت فيه والذي شهد نشاطها المتواصل دفاعا عن الفقراء والمظلومين. ويجب ألا يستهين المسئولون باستشهاد شيماء واعتباره حدثا عابرا لانه في الحقيقة وكما قلت عقب سماعي نبأ استشهادها ان دماءها الطاهرة تستعيد قوة الدفع الثوري في مصر فكما كان لقتل خالد سعيد اثر بالغ في تهيئة الرأي العام ضد الاوضاع السائدة في عهد مبارك, فإن استشهاد شيماء الصباغ ستكون له تداعيات كبيرة اذا لم يؤخذ بمنتهي الجدية ويتم تحديد القاتل ويحصل اسمها علي التكريم الواجب, وكما كان الرأي العام قد رفع شعار كلنا خالد سعيد في اواخر ايام مبارك, فإننا نؤكد اليوم اننا كلنا شيماء الصباغ وان استشهادها لن يمر بسهولة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف