جلاء جاب اللة
النفايات السياسية.. "ريحتها طلعت"!
كان رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام جريئاً وواضحاً عندما تحدث عن النفايات السياسية في لبنان وهو يعلق علي أحداث لبنان والمظاهرات التي دعت إليها مبادرة "ريحتكم طلعت" مشيراً إلي أن محاولات بعض الساسة استغلال الموقف.. أشار بوضوح إلي سياسيين كانوا يخططون لاقتسام الغنائم في لبنان.. حتي في قضية النفايات "الزبالة" دون اهتمام بمصالح الناس واحتياجاتهم.. ووصفهم بالنفايات السياسية وهي أشد خطراً من النفايات التي ملأت شوارع بيروت.
تعبير النفايات السياسية.. ومبادرة "ريحتكم طلعت".. وشعار "التغيير ممكن والمبادرة واجبة" الذي رفعه بعض متظاهري لبنان في ساحة بيروت.. جعلني أتساءل: وما الحال في مصر؟.. وإلي أي مدي نستشعر أن لدينا نفايات..؟ وهل هناك روائح لتلك النفايات قد ظهرت وطلعت بالفعل؟ وما هو التغيير الممكن في مصر.. وما هي المبادرات الواجبة؟
استشعر البعض أن هناك مؤامرة ستحاك في لبنان فوراً لاستغلال هذه المظاهرات لإعادة رسم خريطة لبنان من جديد سيراً علي نفس المحاولات الدولية لإعادة رسم المنطقة ككل.. ودخول أطراف دولية بوضوح شديد في عملية إعادة رسم المنطقة.. كما تفعل أمريكا بمشاركة بعض حلفائها من أوروبا.. لإعادة تقسيم المنطقة لمصالحها ومصلحة إسرائيل.. ثم محاولة روسيا الدخول في اللعبة بقوة سواء عن طريق التحالف مع سوريا أو مساندة إيران.. أو غير ذلك.. بل الدخول في دوائر متداخلة من لعبة المصالح فتارة يكون هناك دائرة روسية أمريكية إيرانية.. وتارة أخري دائرة أمريكية إيرانية غربية.. ثم دائرة روسية إيرانية بمباركة بعض الدول العربية.. وغير ذلك من الدوائر.
المهم أن دور مصر الذي كان مخططاًَ له أن يغيب لم يغب والحمد لله.. وسواء رضيت أمريكا أو لم ترض فإن مصر باتت لاعباً إقليمياً أساسياً وفرضت إعادة رؤية في خطط الغرب وأمريكا لإعادة تقسيم المنطقة.
مصر بعد 30 يونيه.. أصبحت لاعباً إقليمياً بل ودولياً مهماً.. ولكن الأهم أن تكون جاهزة ومتيقظة لمحاولات اللعب داخلها من خلال مخططات تشارك فيها أجهزة مخابرات دولية.. ومن يتم استغلالهم مباشرة أو بطريق غير مباشر من الداخل.. ولعل إشارة بعض قيادات جماعة الإخوان المحظورة مؤخراً أنهم لم يعودوا قادرين علي السيطرة علي شباب الجماعة المحظورة وهي إشارة إلي أن بعض هؤلاء الشباب قد يكونون وفقوداً وأدوات يتم استغلالها في مؤامرات تحاك ضد مصر.
عودة إلي قضية "النفايات" في مصر ويمكن تقسيمها إلي خمس قضايا فرعية.
الأولي : النفايات والزبالة في الشوارع والحواري وهي موجودة بالفعل.. بل إن رئيس الوزراء إبراهيم محلب جعلها قضية أساسية لتقييم أداء المحافظين خلال الشهرين المقبلين.. وجعل قضية النظافة أحد أهم معايير الحكم علي أداء المحافظ ولا يستطيع منصف أن ينكر أن هناك محاولات جادة من بعض المحافظين "أقول بعض وليس كل" للقضاء علي الزبالة وحل مشكلة النفايات وإعادة النظافة إلي شوارع وأحياء تلك المحافظات.
الثانية: النفايات السياسية.. والحديث عن هذا النوع من النفايات الآن ضروري وملح لأننا نقترب من الانتخابات البرلمانية وهي الانتخابات التي تأخرت لأسباب عديدة ويستغلها أعداء مصر لضرب سمعة مصر دولياً علي أساس أننا بلا برلمان وأن خريطة المستقبل لم تكتمل وأن الديمقراطية لم تنفذ علي أرض الواقع في مصر بعد ثورتين.
والحقيقة أن الانتخابات البرلمانية المقبلة لها أهمية كبري في تحديد هوية مصر الجديدة وتحديد ملامح المستقبل المصري.. فهذا البرلمان دستورياً لديه صلاحيات ووظائف مهمة جداً ستحدد ملامح الدولة المصرية لسنوات قادمة وهو ما يعني أهمية وضرورة المشاركة الفعالة في اختيار النائب البرلماني وأن نتقي الله في حسن اختيار المرشح قبل اختيار النائب وهنا لابد أن نشير إلي أن النفايات السياسية هي الخطر.. لا نفرق هنا بين من يتخفي وراء مصالح خاصة أو وراء رشاوي انتخابية أو يدافع عن المال الحرام.. أو الذي يتخفي وراء الدين.. والدين منه براء.. فالكل في الهم سواء.
أصبح ضرورياً الآن أن نتكاتف جميعاً في اختيار النائب الذي يستطيع أن يشارك بشكل جاد وصحيح ووطني والتزام كامل بمصالح الوطن في هذه المرحلة الصعبة وألا نعود إلي اختيار نفايات سياسية رائحتها معروفة "وطلعت رائحتها فعلا".. ولكنها تتخفي وتتجمل وتستغل ظروف الناس سواء الظروف المعيشية أو النفسية أو الدينية.
لدينا أحزاب هشة.. وأحزاب ليس لها تأثير في الشارع.. ونخب سياسية فوضية بلا تواجد حقيقي في الشارع ولدينا جهل سياسي عند الكثيرين بخلاف الجهل.. والفقر.. اللذين يمكن استغلالهما في الانتخابات وما يستغلهما فعلاً إلا النفايات!
الثالثة: النفايات الاجتماعية.. وصور هذه النفايات متعددة وأحياناً يكون تأثيرها أخطر علي صحة وسلامة الوطن والمواطن. غير أن بعض النفايات السياسية لم يعد لدينا أمل في إصلاحها.. أما غالبية النفايات الاجتماعية فيمكن تعديلها "بلغة النفايات والزبالة يمكن تدويرها واستغلالها" وقد يعتقد البعض أن النفايات الاجتماعية قاصرة علي العشوائيات وأهل التوك توك.. لكن هذا غير صحيح لأنه كما أن هناك نفايات اجتماعية في العشوائيات والقاع وهي معروفة وعلاجها معروف.. فإن هناك نفايات اجتماعية أخطر في الطبقة العليا علي أساس أن الطبقة الوسطي مازالت في مرحلة العلاج وإعادة التكوين.
ومن الضروري أن نفرق هنا بين النفايات الاجتماعية وبعض أمراض المجتمع.. فبعض الأمراض الاجتماعية مرتبطة بواقع.. وعندما يتغير هذا الواقع ستزول هذه الأمراض.. لكن النفايات تراكمت ولم تعد مرضاً اجتماعياً بل "ورماً" لابد من استئصاله وقطع كل صلة له بالحياة وليس مجرد العلاج.. والأخطر في قضية النفايات الاجتماعية أن بعض أبناء الشعب لا يرونها نفايات بل إن العادة والتعود جعلتهم يعتبرونها أمراً طبيعياً وهنا مكمن الخطورة.
الرابعة: النفايات الأخلاقية.. وهذه النفايات هي الأخطر.. بل اعتبرها هي أساس وسبب كل أنواع النفايات الأخري التي زكمت الأنوف ويجدر بنا هنا أن نفرق بين نفايات أخلاقية كانت موجودة بالفعل ولكن رائحتها كانت تزكم أنوفنا علي استحياء.. وعلي أوقات متفاوتة.. وبين تلك النفايات الأخلاقية التي كشفت عن نفسها بلا حياء بعد ثورة يناير ..2011 حتي أن البعض كتب يقول إن ثورة يناير كشفت عن أسوأ ما فينا.. وبعض هذه النفايات الأخلاقية يمكن علاجها بسهولة سواء بتطبيق القانون بحزم وعدالة ومساواة أو بالحوار الموضوعي خاصة مع نفايات التجاوز التي تري هذا التجاوز جرأة وميزة.. فقطعوا الخيط الرفيع بين الجرأة والتجاوز بين طلب الحق "وقلة الأدب"..!
وإذا كانت بعض الأعمال الفنية وبعض وسائل الاتصال الحديثة قد ساهمت في زيادة النفايات الاجتماعية.. فإن غياب الأسس التربوية وغياب مقومات الصحة الاجتماعية بلا شك كانت أهم أسباب وجود هذه النفايات.. وبالتالي لابد من قراءتها جيداً إذا كنا نريد التخلص منها أو علي الأقل تخفيض جسامة خطورتها.
الخامسة.. نفايات تحت الطلب.. واعتذر طبعاً لسيارات نقل الموتي "التي تحمل اسم تحت الطلب".. لأنني أقصد تحت الطلب أي أنهم جاهزون في أي وقت.. لأي أمر سييء أو أي عمل ضد الوطن أو مصلحة الناس.. المهم أن يكون هذا الأمر لصالحهم هم أو يمكنهم تحقيق استفادة ــ أي استفادة ــ من ورائها.
والأدهي والغريب جداً أن بعض هذه النفايات "تحت الطلب" حتي لو لم تحقق استفادة المهم أنهم موجودون.. ويشعرون بالمشاركة في أي عمل سلبي لأسباب تحتاج إلي تحليل نفسي أو دراسات موسعة لمعرفة أسباب هذه النفايات التي باتت "تحت طلب" أي نفاية سياسية أو اجتماعية.. وكله بحسابه!!
كما قلت في البداية فإن النفايات السياسية التي تحدث عنها رئيس وزراء لبنان خطر حقيقي علي لبنان.. فما بالك بخمسة أنواع من النفايات تهدد أمن وسلامة ومستقبل مصر.
إذا كانت النظافة من الإيمان.. فالحرب ضد هذه النفايات واجب شرعي.. والتخلص منها ضرورة لصالح الوطن والمواطن.