الوطن
د. محمود خليل
المسلم البليد
لست أقصد بـ«البلادة» هنا البلادة فى الدنيا، فهى أمر مفروغ منه، لكننى أعنى «البلادة» فى الدين. فالكثير من المسلمين اليوم يشبهون «التلامذة الخايبين» الذين يزهدون فى الكتاب المقرر، ويحرصون على الاعتماد على الكتب الخارجية. ولا أبالغ إذا قلت إنهم يشتطون أكثر من ذلك، حين تجد بعضهم يستعين بمدرس خصوصى كى يتعلموا منه الدين، تاركين حتى الكتب الخارجية. تعال أقل لك كيف!

القرآن الكريم هو الكتاب المقرر على كل مسلم، عبر آياته الكريمة يستطيع الإنسان أن يفهم دينه على مستوى العبادات والمعاملات والشرائع والأخلاقيات، قراءة المصحف هى قمة العبادة، وأساس الوعى بالإسلام. يقول الله تعالى: «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ واللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ»، وأظن -والله أعلم- أن المقصود بالذكر هنا القرآن الكريم، مصداقاً لقوله تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ». ولعلك تعلم الحديث النبوى الذى يقول: «النظر فى كتاب الله عبادة»، راجع نفسك وقل لى ما هى آخر مرة نظرت فيها إلى كتاب الله.. الكتاب المقرر عليك كمسلم؟

كثير من المسلمين لا يلجأون إلى الكتاب المقرر عليهم، ويفضلون على ذلك قراءة الكتب الخارجية، كى يفهموا منها دينهم، فتجد بعضهم يفرط فى الاهتمام بقراءة كتب التراث، أو كتب معاصرة، ولست أقلل من قيمة هذه الكتب بالطبع، لكننى لا أستطيع أن أبرئ بعضها من الخلط بين الغث والثمين، والحقيقى والملفق، فهى فى النهاية كتب وضعها بشر، ولا ترقى بحال إلى الكتاب المضمون الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الكتاب المنزل من السماء، كتاب الله المجيد. ما الذى يدفعك إلى الاستغراق فى كتب خارجية يكثر حولها الجدل، وتترك الكتاب الأصلى المقرر عليك، إلا أن تكون بليداً؟!

وفى ضوء ثقافة لا تشجع على الإنتاج وإعمال العقل، مثل الثقافة التى تسود العديد من المجتمعات المسلمة، يرفع بعض المسلمين الأكثر خيبة شعار «وفّر مجهودك»، تماماً مثل التلميذ البليد الذى لا يريد أن يذاكر حتى من الكتب الخارجية، بل يريد الاعتماد بشكل كامل على مدرس خصوصى يلقنه العلم، وتجد هؤلاء يعتمدون على من يسمون «الدعاة» فى فهم دينهم، وأغلب هؤلاء يقدمون شروحهم للدين عبر شاشات التليفزيون، ولأن ذلك كذلك يميل هؤلاء الدعاة إلى «مسرحة الدين»، ويقدم كل منهم حديثه على أنه الإسلام الحقيقى الذى يؤدى بالتلميذ المسلم البليد إلى النجاح وتحقيق الدرجات العلا. ونظير هذا الدرس الخصوصى فى الدين يحصل الداعية على أجرته، وليس سراً أن بعض الأسماء حققت من خلال هذه «الشغلانة» ملايين الجنيهات، وبعضهم «عدى البراميل» وحاز المليارات، كل هذا بسبب كثرة «البُلدة» من المسلمين الذين آلوا على أنفسهم الاعتماد على هؤلاء المدرسين الخصوصيين، تاركين الكتاب المقرر الذى يحمل الإسلام الخالص النقى الذى لا تشوبه شوائب البشر. ولا أظن أن ثمة مخرجاً أو نجاة للمسلمين من الأزمة الحالية التى تعصف بهم سوى العودة إلى الكتاب المقرر والشروح التى قدمها لهم النبى صلى الله عليه وسلم فى سننه الصحيحة التى لا تتناقض بحال مع كتاب الله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف