حافظ أبو سعدة
هل الفساد أكبر من قدرة الدولة؟
يبدو أن الفساد تضخم حتى أصبح أكبر من قدرة الدولة على التصدى له، لم تكن فضيحة تخصيص أراضى هيئة المجتمعات الجديدة بوزارة الإسكان هى السابقة الأولى، هناك مئات الحالات، ماذا حدث؟ أكثر من ١٢ شخصاً من أسرة واحدة تخصص لهم أراضٍ ويتجاورون، ويخرج ممثلو الوزارة ليؤكدوا أنهم بعد الفحص والتمحيص اكتشفوا أنها صدفة، وعلى كل القنوات أن تبشر المصريين بأن السبب هو الصدفة لكن ليس الفساد، ليس أمام المواطنين المصريين إلا أن يبلعوا هذا الكذب البواح وأن يكظموا غيظهم أو أن يخبطوا رؤوسهم فى أقرب حائط.موضوع آخر هو انتحال صفة موظفى مكتب الرئيس والاتصال بوزارات حكومية وإدارات بهذه الصفة وطلب تخليص مصالح وخدمات لأشخاص بعينهم وطبعاً بالمخالفة للقوانين واللوائح، الموضوع تجاوز حتى الوزارات ليصل إلى البنوك، ما يعنى تسهيلات للحصول على قروض أو تسهيلات مالية، صحيح أن الرئاسة تحركت فوراً وحذرت.المحليات مرة أخرى أس الفساد فى مصر، وهى الصخرة التى ستتحطم عليها كل آمال المصريين فى تطوير الاقتصاد وجذب الاستثمارات وتشجيع تأسيس المشروعات وخلق فرص عمل، وبالأخص المشروعات المتوسطة والصغيرة، لأن المشروعات الكبيرة يرعاها رئيس الوزراء ويتابعها الرئيس، وسيبك من حكاية الشباك الواحد، فى تأسيس الشركة فهذا أمر سهل، المشكلة فيما بعد تأسيس الشركة لأن الأرض وبناءها مصنعاً أو مدرسة أو جامعة أو أى مشروع تحتاج إلى تراخيص من الحى والمساحة والأملاك والبيئة والآثار والزراعة وغيرها من الإدارات التى يحتاج المواطن أو المستثمر على الأقل فى كل إدارة مع هذه الإدارات من ٦ شهور إلى سنتين، ثم بعد ذلك الخدمات: الكهرباء والمياه والصرف الصحى، وهى تحتاج أيضاً إلى وقت كبير، لا يتوقف الأمر على الوقت المطلوب لكن تأكد أن المشروع لن ينتهى إلا بعد دفع الرشاوى المطلوبة فى كل مرحلة ولكل إدارة وألا يتعطل ويقف الورق دون سبب إلا بسبب أن الموظف فى الحج أو العمرة أو إجازة مرضية أو عارضة وبالطبع لا يمكن لغيره القيام بوظيفته.من يريد أن يتأكد ينظر إلى بناء العمارات والمبانى المخالفة لماذا كل هذه المخالفات؟! فى الحقيقة ليس لأن المواطن المصرى يحب المخالفة لكنه أرغم على ذلك، ولأنه ببساطة الحصول على رخصة مبانٍ من الحى كمن يطلب المستحيل، حتى إنه فى أحياء بعينها هناك تسعيرة للدور بمبلغ محدد، الغريب أن دفع الرشوة على كل دور لا يعنى عدم تحرير المحاضر المطلوبة، حتى يتم إخلاء المسئولية من على الموظف المرتشى، لذلك هناك عشرات الآلاف من قرارات الإزالة التى لا يمكن تنفيذها لأنك ببساطة تريد أن تزيل مناطق وأحياء بأكملها.المؤكد أن هذا الفساد له أساب عديدة منها القوانين واللوائح، والسلطة التقديرية للموظف، لكن الأهم هو غياب الرقابة على الموظف ووضع حد أقصى لإنهاء الملفات التى يعمل فيها، والتفتيش الدورى وتلقى شكوى المواطن والتحقيق فيها فى كل إدارة يجب أن يكون مكتب حقوق المواطن لتلقى شكوى الموطن، الذى تعطلت أعماله وميكنة الإدارات الحكومية.التعديل الأخير لقانون الكسب غير المشروع رسالة خطأ للموظف الذى أثرى من العمل وتكسب بالطريق الحرام، فالقانون بعد تعديله يفتح الباب للتصالح ورد المال، هذا معناه إذا لم يتم ضبطه فهو فى أمان هو وأمواله وسيتمكن من الإفلات من العقاب، وسوف يفتح الباب لاتجار فى الوظيفة العامة والاستيلاء وتسهيل الاستيلاء على المال العام، فى كل الدول المال العام له حماية خاصة والاعتداء عليه جريمة جنائية، وهو يحتاج إلى ضرب بيد من حديد وليس التصالح معه فيجب ألا يشعر الفاسدون أنهم أكبر من قدرة الدولة.