كتبت -وما زلت أكرر- منذ سنوات سبقت يناير 2011، عن ضرورة طرح رؤية جديدة لفكرة ومنظومة الأمن فى مصر. رؤية تحمل هموم الوطن والمواطن، وفرد الأمن المسئول عن حماية مصر وناسها -أياً كان مسماه- ورفضت شعارات التطهير التى رفعها بعض الغوغاء من الساسة ودشن لها الإخوان بشكل لا يحمل سوى الإقصاء وفقاً للهوى لا للصالح العام. وأصررت على شعار التطوير بما يحمله من أسس تحترم معايير الكفاءة والشفافية والحقوق لكافة الفئات. ولكن للأسف لم يستمع أحد واعتقدت وزارة الداخلية والقائمون عليها مع تغيير الوزراء، أن شعار من عينة الشعب والشرطة إيد واحدة، وتعليق لافتات وصور تلاحم الشعب والشرطة فى الأقسام، وإنشاء إدارة لحقوق الإنسان، كافٍ، بينما ما نحتاجه رؤية كاملة.ومنذ أيام صدمتنى أحداث أمناء الشرطة فى محافظة الشرقية وفضلت انتظار ما ستحمله الأحداث لفهم الموقف وأسلوب العلاج. فأفراد الشرطة المعترضون على عدم النظر فى مطالبهم أغلقوا ستة أقسام فى الشرقية معلنين الاعتصام! وتطور الأمر بحدوث مواجهات بينهم وبين قوات الأمن المركزى التابع للداخلية عند مديرية أمن الشرقية، ثم كان اقتحام المديرية ذاتها، مع تسجيل تلك اللحظات الخالدة فى تاريخ أفراد الشرطة وتاريخنا للمحطات الفضائية ومن حق الأمين يتصيت. لم أتفاجأ بموقف أفراد الشرطة حتى مع التسليم بوجود حقوق مهملة لهم. ما فاجأنى هو موقف السادة فى وزارة الداخلية، بدءاً من تصريح الوزير بأن الأمناء المحرضين إخوان، مروراً بتصريح أن ما فعلوه ليس تظاهرة ولا اعتصاماً، ولكنه احتجاج! انتهاءً بوعد تنفيذ مطالبهم!ودعونا يا سادة نتحدث ببعض من عقل فى مشهد عبثى قد يطيح بالمنطق ولكن لا مفر من تمسك برؤية. فأنا لا يعنينى إن كان المحرض فاسد أو إخوان أو جن أحمر، ولكن ألم يدرك وزير الداخلية ومعاونوه وناصحوه أن تصريح «إخوان» يمثل كارثة، لأنه يعلن بصراحة وجود إخوان بين أمناء الشرطة وعلمه بهم وتركهم يخترقون الجهاز الأمنى المسئول عنه؟! ألم يدرك وزير الداخلية أنه المسئول عن تطبيق قانون التظاهر وأن ما فعله هؤلاء الأمناء خرج من مساحة التعبير عن الحق لحيز الإضرار بمؤسسات الدولة وكسر هيبة الدولة والقانون؟! ألم يدرك وزير الداخلية أنه بوصفه فعل أمناء الشرطة بأنه مجرد احتجاج لا تظاهرة يفتح الباب أمام أى فئة لفعل ما فعلوه بمنطق السيد الوزير المغلوط؟ ألم يدرك السيد الوزير وصحبه أن منح الأمناء المعتصمين والمقتحمين لمبنى الأمن ما طلبوه -حتى لو كان حقاً لهم- بمنطق لى الذراع سيجعلهم يتمادون فى مطالب أخرى؟! ألا يتذكر وزير الداخلية ما فعله أمناء الشرطة بمطار القاهرة العام الماضى حينما تم إيقاف أحدهم لتحرشه بإحدى السائحات التى أبلغت عنه ليُحال للتحقيق، فيعتصم زملاؤه فى مشهد مهين للدولة فى المطار الدولى لمصر؟!أعلم أن أمناء الشرطة قنبلة موقوتة فى قلب الداخلية يؤجل كل وزير، يأتى لها، مسألة التعامل معهم. ولكن إلى متى التأجيل مع فئة حذفنا لهم -تحت ضغوطهم- المحاكمات العسكرية؟ وإلى متى سنؤجل تحقيق العدالة فى مؤسسة الأمن بين كافة فئاتها فى الرواتب والدخول والحقوق، لا للأفراد فقط ولكن للجميع بمن فيهم ضباط الشرطة وإلى متى سنؤجل وضع الرؤية الكاملة لمنظومة تطوير مؤسسة الأمن فى مصر لتقوم على أساس الشفافية والعدالة والحقوق؟ أسئلة تحدد مصير وطن بأكمله، لا مصير رجال الأمن فقط.