"وحشني.. شمس" فما أصاب "جلال الدين الرومي" حين غاب عن عينه "شمس الدين التبريزي" أصابني أيضا.
والحكاية أني أعيش تحت سطور كتاب "قواعد العشق الأربعون" أغوص داخله وتتمكن مني قاعدة وراء الأخري.. لأنها ليست دخيلة بل هي موجودة بالفعل داخلي وداخلك.
فمن منا لم يفقد علي غفلة.. أما أو صديقا أو حبيبا.. فتكهرب بلوعة الفراق.
المعاني كلها داخلنا.. تنام فوق الشرايين والأوردة هادئة هانئة.. تنساب مع كرات الدم حتي توقظها الضخات.. فتفيق.. يصحو فينا إحساس ما.. بفعل لقاء أو بعاد.. ففي القرب نظن التواجد عادة..والاستمرار واقع.. ثم ينتفض الشوق وتئن اللهفة ويتعب الحنين بغياب حبيب.
انه ما غنته أم كلثوم في رائعة أحمد شوقي: ومن ينبئك عن خلق الليالي كمن فقد الأحبة والصحابا.
راح..
لقد فقد الصوفي جلال الدين الرومي لذة الحياة.. حين اختفي شمس الدين حتي أن أولاده الذين كرهوا وجود هذا الصديق في حياة الأب. خرجوا يلهثون بحثا عنه راجينه أن يعود.. وتلك الابنة الشابة الجميلة رأت ان زواجها من هذا الرجل الذي يصفونه بالدرويش المتجول أفضل وصفة لبقائه في البيت.
ولأن الله سبحانه أقر في آياته.. "وعسي ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم.. وعسي ان تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون" صدق الله العظيم.
فهو ما حدث.. الدرويش ليس زوجا.. والحلوة تحطمت نفسيا ثم جسديا.. وربما كان الترتيب عكسيا.
قاعدة
وحتي شمس لم يجن الأفضل بعودته.. فقد تآمروا عليه وقتلوه. وكان المشهد مؤثرا ليزيد هو من منح قواعده. ويصل لنهايات الثلاثين وهو يقر بأن لكل شخص وقتا.. "وقت للحب.. ووقت للموت" ويعرف الرومي بقتل شمس فيتغير حاله ويوزع كل ماله.. وهو هذا المفعم بالحب الذي يحتضن اشخاصا من جميع المذاهب.. مسلم ومسيحي وبوذي.. سكير أو تائب. ويرحل جلال الدين الرومي وهو يصرح: بعد أن رحل شمس رحلت أنا أيضا.. والقاعدة قبل الأخيرة.. ديننا هو دين العشق وجميع البشر مرتبطون بسلسلة من القلوب. ولابد ان تحضرني الآن تلك الكاتدرائية التي زرتها في احدي الرحلات للنمسا ووجدت علي جدرانها لوحة التقطت لها صورة بالكاميرا الخاصة حيث المكتوب عليها "وما الدين إلا الحب".. هل عرفت الكاتدرائية بمباديء الصوفية وقواعدها التي نصل معها للصفحة الأخيرة والقاعدة الأربعين "لا قيمة للحياة بغير عشق.. روحي - مادي - إلهي دنيوي.. فالعشق ماء الحياة والعشيق روح من نار".
يصبح الكون مختلفا عندما تعشق الماء.. والنار.