الجمهورية
صلاح الحفناوى
أنا صحفي.. للأسف!!
ما زلت اذكر كلماته حتي اليوم: أنا صحفي.. أنا مكرس لخدمة بلدي.. أنا فوق الجميع.
كانت عبارته صادمة تحمل شبهة غرور وتعال.. بالنسبة لنا نحن الدارسين في قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة.. كانت عبارة ترضي الغرور وتطلق الخيال في افاق الشهرة والمجد.. ويبدو أنه شعر بما دار في تفكيرنا فقال موضحا.. ¢الصحفي الشريف يجب أن يشعر بأنه أهم وأعلي من أي مسئول.. لا يهتز ولا يسمح بإهانة من مسئول مهما علا لأنه بقلمه الحارس الامين علي الحق الباحث الدؤوب عن الحقيقة.. الصحفي ضمير الناس ولسان حال من لا يملك بلاغة النظم ولا فصاحة البيان.
كان الاعلامي القدير الراحل جلال الدين الحمامصي استاذا قديرا.. تعلمنا علي يديه تفاصيل المهنة واسرارها ومفاتيحها.. واليه يرجع جانب كبير من الفضل في اهداء الصحافة نخبة متميزة من روادها ونجومها.. كانت كلماته أشبه بوصفة سحرية تطلق في نفوسنا الحماس: ألسنا من سيتولي صياغة الضمير العام.. ألسنا المقاتلين ذودا عن حقوق الضعفاء الفقراء؟.
سامحك الله يا استاذنا القدير.. اليوم اكتشفنا ان كلماتك كانت قراءة في ماض لم نعشه وصياغة لحلم لم يتحقق.. اكتشفنا ان كلماتك كانت جزءاً من كتاب الموتي.. محاولة للتطهر بالشعارات في زمن لا يحترم الحق ولا يعترف بالحقيقة.
سامحك الله يا استاذنا.. فقد جعلتنا نصدق ان للصحفي في بلادي قيمة.. وان الصحافة مهنة الباحثين عن المتاعب والحقائق.. وان كرامة الصحفي من كرامة الوطن.. ليتك كنت معنا الان لتعرف ان الصحافة اصبحت مهنة التعساء والبؤساء.. وان كرامة الصحفي دهستها الحاجة الي لقمة العيش.. وان الصحفي اما ان يتحول الي مضحك الملك لينال نصيبا من نفحاته.. او ينكسر أمام العجز عن تلبية احتياجات ابنائه.
انا يا استاذنا لا اتحدث عن الصحفيين الذين تحولوا الي نجوم فضائيات والذين تحسب رواتبهم بالملايين.. لا اتحدث عن الصحفيين الذي اضطرتهم الحاجة الي السقوط في منزلق الاعلانات لتنكسر اعينهم امام من يدفع.. لا اتحدث عمن باعوا مداد القلم ومنحوا ضمائرهم اجازة مفتوحة.. ولكن اتحدث عن الاف الصحفيين الحقيقيين الذين لا يزالون يصارعون من اجل البقاء والنقاء: بقاء المهنة ونقاء مداد القلم.
هل تعلم يا استاذنا الحبيب رحمك الله ان راتب الصحفي هو الاقل اطلاقاً مقارنة بكل المهن.. هل تعلم انه في النصف الثاني من العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين يعين الصحفي في المؤسسة القومية بأقل من 300 جنيه أي أقل من ربع الحد الأدني للأجور وانه لولا ¢الحسنة¢ التي تجود بها الحكومة علي الصحفيين شهريا تحت مسمي بدل التكنولوجيا.. لما وجدنا شخصا واحدا يقبل ان يمارس هذه المهنة.
هل تعلم يا أستاذنا ان الصحفي يحكم عليه بالموت بمجرد ان يبلغ سن الستين.. القاضي يعمل حتي السبعين.. استاذ الجامعة يعمل حتي الوفاة.. الطبيب يعمل حتي يحين الاجل.. المحامي يظل يترافع امام المحاكم حتي التسعين.. هل تصدق ان صحفيا افني حياته في المهنة واحيل علي التقاعد في الستين لا يتجاوز معاشه في افضل الأحوال 1500 جنيه. في سبعينات القرن الماضي كان راتب الصحفي الثالث ضمن اعلي الاجور في مصر والان ترتيبه في اسفل قائمة الفية.
راتب امين الشرطة ثلاثة او اربعة اضعاف الصحفي.. راتب سائق في البنك الاهلي خمسة اضعاف.. الصحفي يهان اذا مرض ويهان اذا تقاعد ويهان اذا افلست المؤسسة التي يعمل فيها.. فهل تتوقعون اعلاما فاعلا ونزيها يقوده إعلاميون هذا حالهم وواقعهم البائس؟؟.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف