بسيونى الحلوانى
كوارث المستشفيات العامة!!
لو أراد المهندس ابراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء أن يقف علي حالة الخدمات الصحية المتردية التي تقدم للمواطنين الغلابة في كل محافظات مصر فعليه ان يقوم بزيارات مفاجئة للمستشفيات العامة بالمحافظات دون ان يصطحب معه وزير الصحة ليري ما لا عين رأت ويسمع ما لم يسمعه من قبل عن الإهمال وضعف الإمكانات وقصور الخدمات التي تعاني منها هذه المستشفيات منذ حقبة طويلة من الزمن دون ان يتغير شيء علي أرض الواقع رغم تغير الأنظمة والحكومات ورغم ان قصور الخدمات الصحية التي تقدم للفقراء ومحدودي الدخل كان أحد دوافع الغضب الشعبي الذي عاشته مصر خلال السنوات الماضية.
وحتي لا نظلم العاملين في هذه المستشفيات ومنهم كفاءات طبية نادرة نؤكد ان الحكومة هي المسئول الأول عن تردي الخدمات الصحية في معظم - ان لم يكن - كل المستشفيات نتيجة ضعف الامكانات وعدم توافر الأجهزة الطبية اللازمة لاجراء الفحوص العاجلة في حالات الطواريء وعدم كفاءة المعامل والنقص الكبير في الأدوية ومستلزمات الجراحة وغير ذلك مما يعرفه كل مريض اضطرته ظروفه الاقتصادية الصعبة إلي الذهاب إلي مستشفيات وزارة الصحة لإجراء جراحة أو علاج مرض.
ليس طبيعيا ان يذهب مواطن فقير لإجراء فحص طبي "هايف" في معمل خارجي لمريضه الذي يقيم في المستشفي.. وليس طبيعيا ان يسرع أهالي المريض إلي الصيدليات لاحضار مستلزمات جراحة علي نفقتهم الخاصة فضلا عن قائمة الأدوية.. يحدث هذا في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة انها تنفق المليارات سنويا علي علاج الفقراء ومحدودي الدخل!!
***
صحيح ان زيارات رئيس الوزراء المفاجئة علي بعض المنشآت الصحية بالقاهرة خلال الأسابيع الماضية قد كشفت عن بعض مظاهر الاهمال والقصور التي شاهدها ووقف عليها بنفسه وعبر عن أسفه الشديد لوجودها لكن زيارته المفاجئة لمستشفيات المحافظات سوف تكشف عن مصائب أكبر ومظاهر قصور أشد وهي زيارات واجبة عليه خاصة في ظل تقاعس وزير الصحة وانشغاله عن المنشآت الطبية الحكومية بالمحافظات واهتمامه بالجولات التي تحقق له الشو الاعلامي.
لا خلاف علي ان الحكومة جادة بالفعل في تحسين الخدمات الصحية ومراعاة ظروف محدودي الدخل والفقراء الذين يعجزون عن علاج أمراضهم في المستشفيات الخاصة التي تمارس كل صور الجشع والاستغلال تحت سمع وبصر وزارة الصحة.. ورغبة الحكومة في تحسين الخدمات الصحية لا تتطلب أموالا فقط بل تحتاج إلي متابعة جادة ودقيقة لأحوال هذه المستشفيات وما يحدث فيها من مظاهر اهمال وقصور ومكافأة المجيدين ولو معنويا ومحاسبة المخطئين واستبعاد كل مسئول لا يقوم بواجبه الوظيفي علي الوجه الأكمل ويعرض حياة المواطنين الغلابة للخطر.
لا يتسع المقال هنا للحديث عن ضحايا الاهمال في المستشفيات العامة فهي كثيرة ومحبطة ومؤسفة وليس مطلوبا ان ننبش في الماضي ونذكر الناس بضحاياهم داخل هذه المستشفيات والهدف هنا هو انتشال هذه المنشآت الطبية الحكومية بالمدن والقري من الإهمال من أجل الشعب المطحون الذي يعاني من كل أنواع الأمراض ولا يجد مفرا من الذهاب إليها.
***
أراد الله ان ادخل مستشفيات في عدة دول أوروبية وآسيوية للعلاج وفي كل المستشفيات التي دخلتها شاهدت كيف تحقق هذه الدول المساواة التامة بين مواطنيها في العلاج فالوزير ينام إلي جوار عامل النظافة المريض وما يقدم من رعاية صحية للوزير يقدم لعامل النظافة لا فرق عندهم بين وزير وخفير وليس هناك توصية علي مريض بعينه فلكل في حق العلاج سواء لذلك يشعر المريض وأهله في كل هذه البلاد بالرضا التام عما يقدم له من خدمات صحية ويشعر بالامتنان للدولة التي تكفل له الرعاية ولا تفرق بينه وبين شخص آخر مهما كان منصبه أو موقعه الوظيفي في الدولة.
هذه المساواة في علاج أمراضنا هي أهم ما نحتاجه في مصر لأن التفرقة في فرص العلاج تشعر المواطن البسيط بالحسرة وتضاعف من أمراضه وآلامه وتجلب الغضب والسخط الشعبي علي الحكومة وقد سبق وتحملت خزينة الدولة نفقات علاج بالملايين لفنانين وسياسيين بالخارج وأرقي المستشفيات في الداخل أو الخارج فالفقراء ومحدودو الدخل وهم الغالبية العظمي لهذا الشعب طموحاتهم محدودة للغاية ولا يحلمون بأكثر من مستشفي حكومي يشعر فيه المواطن بآدميته ويجد فيه ما يخفف آلامه ويخلصه من أمراضه دون ان يشعر فيه بالاهانة.
أتمني ان يضع رئيس الوزراء المستشفيات الحكومية بالمحافظات علي خريطة جولاته المفاجئة وسوف تكشف له هذه الجولات العديد من المفاجآت وتجعله يقف علي مستوي الخدمات التي تقدم للفقراء ومحدودي الدخل الذين يستحقون ان تنشغل بهم الحكومة ليل نهار وتسعي إلي حل مشكلاتهم وكسب رضاهم بكل الوسائل.. فهي موجودة أصلا لخدمتهم وحل مشكلاتهم.
المرضي في المستشفيات الحكومية المهملة في انتظارك يا مهندس محلب.